عباد الله, إننا في زمنِ فتنةٍ تنبأ بهَا النبيُّ r فَقَالَ فيما صَحَّ عنه: بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُمْسِي الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، وَيُصْبِحُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا. أي إنها فِتنٌ تجعل المرءَ يخرُجُ من دينه, فتن الشبهات, الفتن الفكرية, ونحن نَرَى مِصدَاقَ ذلك فيما يكتَبُ ويُنشَرُ على مواقعِ التواصل, فالبعض يكتب, والكل يقرأ, يصبح الرجل مؤمناً فإذا أمسى كتب تغريدة أو خاطرة تقدح في الدين وثوابته وما علم منه بالضرورة فأمسى بها كافراً أو يمسي مؤمناً فإذا أصبح كتب تغريدة مما سبق فأصبح بها كافراً, يكتبونَ الكفر وكلمةَ الكفر استهزاء وإلحادا وإنكارا, في سطرين أو ثلاثة وَيَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ. فما السلامةُ من ذلك؟ السلامةُ في أمور:
أولاً: سؤالُ الله الثباتَ على الدين. عَنْ أَنَسٍ t قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ القُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ.
لا يدري الإنسان ربما يقع في قلبه زيغٌ فيَهَلَك. فنسأل الله أن يثبّتَ قلوبَنَا على دينه.
ثانياً من وسائل السلامة: اعتزالُ مواطِنِ الفتنةِ, وتدبروا قصةَ أصحابِ الكهف, لَمَّا أصابت قومَهُم فتنةُ الشركِ ماذا صَنَعَ الفتية؟ قال تعالى{وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ} فاعتزالُ مواطِنِ الفتنةِ مرغَّبٌ فيه شرعاً, لأنه نجاةٌ وسلامة, فلما اعتزلوا موطِنَ الشرك, قال تعالى: {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا}. وكذلك نحن لنعتزِل على الإنترنت مواقِعَ الإلحاد والكفرَ البواح ومتابعةَ كتابات مَنْ يكتب في الكفرِ بالله, فهذا مأمورون به شرعاً والدليلُ حديثُ جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ أَتَى النَّبِيَّ r بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ كِتَابًا حَسَنًا مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ, فَغَضِبَ النَّبِيُّ r وَقَالَ: أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ يعني أَمُتَحَيِّرُونَ؟ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً .. ولَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي. إن كُلَّ مُفكّرٍ أو كاتِبٍ أو مؤلّفٍ تقرَأُ لَهُ سيترُكُ أثَرَاً في فكرِك وقلبِك وتوجُّهِك, فلا تقرأ يا أخي إلا لذي عِلمٍ ودين قال ابنُ سيرين رحمه الله: إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ، فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ.
ثالثاً من وسائِلِ السلامة: المبادرةُ إلى العملِ الصالِحِ فإنَّ له ثمرةً عظيمةً في الحمايةِ من الفتنة, قَالَ بعضُ السلف إِنَّ لِلْحَسَنَةِ نُورًا فِي الْقَلْبِ. هذا النورُ هو الفرقانُ الذي يُميّزُ بِهِ الطائعُ بين الحقّ والباطل, قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}. قال المفسرُ ابنُ كثير مَنِ اتَّقَى اللَّهَ بِفِعْلِ أَوَامِرِهِ وَتَرْكِ زَوَاجِرِهِ وُفِّقَ لِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ وإنَّ من أخص الأعمال الصالحة وأقواهَا أثراً الصلاة فهي الحِرْزُ المكين والحِصْنُ الحصين, الواقي من الفتن, وتأملوا هذا الحديث, عن أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ r قَالَتْ: اسْتَيْقَظَ النبيُّ r لَيْلَةً فَزِعًا يَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَاذَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الخَزَائِنِ؟ وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الفِتَنِ؟ مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الحُجُرَاتِ؟ - يُرِيدُ أَزْوَاجَهُ لِكَيْ يُصَلِّينَ - رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ. فأخبَرَ بالفتنِ النازلةِ ثم حرصَهُنَّ على الصلاة فهي الواقية بإذن الله من تلك الفتن.
أسأل الله أن يثبتنا وإياكم على دينه, وأن يصرف عنا وعنكم الفتن..
عباد الله أولادُكم أمانةٌ في أعناقكم, فلا يقرؤوا ولا يتابعوا إلا ما يُقَوِّي دِينَهُم وينفعهُمُ في دنياهم, والوقايةُ خيرٌ من العلاج, فلقنوهم أولاً دعاءَ يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ. وحصّنُوهُم ثانياً بالقرآنِ تلاوةً وحفظاً وتدبُّراً, بالله عليكم مَنْ مِنَّا حرَّص أولادَه على النظرِ في القرآن كما ينظرون في الجوالات والفضائيات؟ مَنْ مِنَّا حرَّص أولادَه على قراءةِ القرآن كما يقرؤونَ في مواقع التواصل ويتابعون اليوتيوب وغيرَهُ؟ هل حصَّنَّاهُم بالقرآن؟ هل جلسنا معهم لدقائق نتدبَّرُ معهم بعضَ آياتِ القرآن؟ الفرصةُ الآن مواتية فأنتم في الإجازة الصيفية, فَحريٌّ أن يكونَ لأبنائكم فيها نصيبٌ مع القرآن فإنه الهدى والنجاة ومن لم يتأثر بالقرآن ويؤثر فيه فلا قلب له جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ قبل إسلامِهِ يحكي موقفاً له مع القرآن كان سبباً في إسلامِهِ, يقول: سَمِعْتُ النَّبِيَّ r يَقْرَأُ فِي المَغْرِبِ بِالطُّورِ، فَلَمَّا بَلَغَ: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لاَ يُوقِنُونَ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ المُسَيْطِرُونَ} قَالَ: كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ. كَانَ سماعُهُ للقرآن من فم النبيّ r سبباً لدخولِهِ في الإسلام, قلوبٌ حيّةٌ أثَّرَ فيها القرآن فهداهَا لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ. فربُّوا أولادَكُم على مائدةِ القرآن, فإنه السلامةُ لكم ولَهم من فتنِ الشبهات, ثم صلوا وسلموا رحمكم الله..