الجمعة، 7 مارس 2014

خطبة بـ عنوان: "نصر الله قريب"

الحمدُ للهِ المبدئِ المعيد، الفعَّالِ لما يريد، خلق الخلق بعلمه، وقدَّر لهم أقداراً، وضرب لهم آجالاً، لا يستأخرون عنها ساعة ولا يستقدمون، قدَّر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسينَ ألفَ سنة: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} علم ما كان، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون. {كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} مشيئتُهُ تَنفُذ لا مشيئةَ العباد، إلا ما شاء لَهم، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنَا محمداً عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه وبركاتُهُ عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد, فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله تعالى.
عباد الله, واقع المسلمين اليوم وما يتعرض له بعضُهُم في مشارق الأرض ومغاربها من ظلم وعدوان وتقتيل وتهجير وتعذيب ولَّدَ في نفوس بعض الناس شعوراً مخيفاً, وهو فقدانُ الثقةِ في وعدِ الله بنصرِهِ لعباده, وشَكٌّ في عدلِهِ, ويأسٌ من تأخُّرِ نصرِهِ للمظلومين, وفي قدرتِهِ على أخذِ الظالمين وإهلاكِهِم.
هذا الشعور له أسباب أهمُّهَا, ضعفُ الِإيمان, وطولُ الكرب, وحِدَّةُ الموقف, وكثرةُ المرجفين من المنافقين, موقف يذكرنا بموقفِ النبي r وصحابتِه يومَ الْأَحْزَابِ, عَامَ الْخَنْدَقِ, حين حاصر المشركونَ من قُرَيْشٍ وغَطَفَانَ المدينةَ حاصروها بعَشْرَةِ آلَافِ مقاتل, بتآمرٍ مع يَهُودِ بَنِي النَّضِيرِ, يصف الله المشهد, فيقول: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ – يعني من أعلى المدينةِ وأسفلِها – وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا. هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} وصفٌ دقيق, وكربٌ شديد, حصارٌ دام قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ, ظَنَّ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r من المؤمنين أَنَّ الدَّائِرَةَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّ اللَّهَ سَيَفْعَلُ ذَلِكَ, يستغل هذا الموقف المرجفون والطابورُ الخامسِ في المجتمع, {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} ظَنَّ الْمُنَافِقُونَ أَنَّ النبيَّ r وَأَصْحَابَهُ سيُسْتَأْصَلُونَ، وقالوا: كَانَ مُحَمَّدٌ r يَعِدُنا أَنْ نَأْكُلَ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَأَحَدُنَا لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْغَائِطِ.
أخرج اللهُ في هذه المحنة والبلية وبهذه المحنة ما كان في قلوبهم من كفر ونفاق. وهكذا في زماننا نجد مع هذه الابتلاءات والانتهاكات الفظيعة لحقوقِ المسلمين مَنْ يشككنا في قدرةِ الله على وعدِ نصره, وقُربِ فرجه, واللَّهُ لَاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ. {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}.
عباد الله, هل تظنون أنَّ اللهَ تعالى غافلٌ عن ظُلم الظالمين؟ وعدوانِ المعتدين؟ حاشاه, لا ولن يَغْفَلَ Y, وكيف يغفل وهو الْحَيُّ الْقَيُّومُ الذي لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ؟ كيف يغفل وهو الحقُّ العَدْلُ الذي:{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} أي بالعدل. كيف يغفل وهو القائل:{وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ}؟ كيف يغفل وهو القائل عن الظالمين: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا}؟ يقولُ النبيُّ r: إِنَّ اللَّهَ يُمْلِي لِلظَّالِمِ، فَإِذَا أَخَذَهُ، لَمْ يُفْلِتْهُ, ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}.
فلنوقن بأن اللهَ تعالى يُمهل ولا يهمل, ويُملِي ولا يَنسى, ولن يغفَلَ عن الدماءِ التي أُريقت, والأموالِ التي نُهبت, والأعراضِ التي انتُهِكَت, والدورِ التي هُدّمت, والقرى التي دُمِّرَت, والمساجدِ التي حُرِّقَت, لن يغفَلَ عنها لأنَّهُ العَدلُ المُنتَقِم, قضى بين البهائم بعدله.
بينَمَا رَسُولُ اللهِ r يَمْشِي وَمَعَهُ أَبُو ذَرٍّ t, إِذْ رَأَى شَاتَيْنِ تَنْتَطِحَانِ، فَقَالَ r: يَا أَبَا ذَرٍّ, هَلْ تَدْرِي فِيمَ تَنْتَطِحَانِ؟ قَالَ: لَاَ, يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: لَكِنَّ اللهَ يَدْرِي، وَسَيَقْضِي بَيْنَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قضى بين البهائم بعدله, يعطي الْشَاةَ الجماء التي لا قَرْنَ لَهَا حقَّهَا من الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ التي اعتدت عليها. فهل سيغفل عن عبادِهِ المؤمنينَ به؟ المتوكلينَ عليه؟ المفوضينَ الأمورَ كُلَّهَا إليه؟ {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ}.
سيقتص للمظلومين من الظالمين, قَالَ النبيُّ r: إِنَّ اللَّهَ لَنْ يُضَيِّعَ لِذِي حَقٍّ حَقَّهُ. فَحَقُّ المظلومِ قَائِم, والذي سيُؤدِّيهِ عَنهُ هو اللهُ تعالى. {وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ – يعني بالعدل – وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} اللهم اجعل لإخواننا المسلمين المظلومين المضطهدين في كل مكان فرجاً ومخرجاً, اللهم انصرهم بقوتك, واحمهم بحمايتك, وكن معهم, ولا تخذلهم يا ناصر المظلومين, يا رب العالمين ..
عباد الله, بَنَى مَلِكٌ جَبَّارٌ قَصْرًا فَجَاءَتْ عَجُوزٌ مُسْلِمَةٌ فَبَنَتْ إِلَى ظَهْرِ قَصْرِهِ كُوخًا تَعْبُدُ اللَّهَ فِيهِ, فَطَافَ المَلِكُ بِفِنَاءِ قَصْرِهِ يَوْمًا, فَرَأَى كُوخَ العجوز, فَأَمَرَ بِهَدْمِهِ, وَلَمْ تَكُنِ العجوزُ حَاضِرَةً, فَجَاءَتْ فَرَأَتْهُ قَدْ هُدِمَ, فَقَالَتْ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ فَقِيلَ لَهَا: إِنَّ الْمَلِكَ رَآهُ فَأَمَرَ بِهَدْمِهِ فَرَفَعَتْ طَرْفَهَا إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَتْ: يَا رَبِّ أَنَا لَمْ أَكُنْ, فَأَنْتَ؟ كُنْتَ أَيْنَ؟ فَأَمَرَ اللَّهُ U جِبْرِيلَ أَنْ يَقْلِبَ الْقَصْرَ عَلَى مَنْ فِيهِ.
الظُّلْمُ ظلماتٌ, والظالِمُ سَيَلْقَى جزائَهُ, واللهُ حَقٌّ عَدْلُ U, لن يخذُلَ عبادَهُ المظلومين, سينتصر لَهم ولو بعدَ حِين, فليتسلى المظلوم, والْوَيْلُ للظَّلَمة ثُمَّ الْوَيْلُ للظَّلَمة {الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
فلنؤمن بعدلِ اللهِ المطلق الذي يقتضي نَصْرَهُ للمظلومين ولو بعدَ حين واستمعوا لِمَا يُسَلّي النفوس, ويُقوّي الإيمان, قَالَ تعالى: {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ. سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ. وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ.وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ. ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ. أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا.ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ}.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق