الخميس، 25 أبريل 2013

خطبة بـ عنوان " أقوى الناس "

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله, هل تعلمون من أقوى الناس؟ إنه رجلٌ تعرّض للاستفزاز والاستثارة والإهانة من أحمقٍ جاهل, وهو قادرٌ على الرد, وقادرٌ على الدفاع عن نفسه, وقادر على أخذ حقه, لكنه مَلَكَ نفسَه, وضَبَطَ مشاعرَه, وتحكّم في انفعالاته, فلم يصدر عنه أي ردة فعل, رد غيظه إلى جوفه ولم يُظهره لا بقولٍ ولا بفعل, وصَبَرَ عليه, وسَكَتَ عنه, وزمَّ نفسَه أن تنجرِفَ وراءَ مَنْ آثارَهَا واستفزَّهَا, هذا هو القوي, بل هو أقوى الناس وأشدُّ الناس وأشجَعُ الناس. قَالَ رَسُولُ اللهِ r: لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ. أي ليس القوي الذي يغلب الرجال ويصرعُهُم, كلا, لكنه الذي يملك نفسه فيكظِمُ غيظَه ويتحلَّم ويضبِطُ غضبَه, هذا هو القويُّ الشجاع. قَالَ r يوماً لأصحابِهِ: مَا تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ؟ قَالوا: الَّذِي لَا يَصْرَعُهُ الرِّجَالُ، فَقَالَ: لَيْسَ بِذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ.وذُكِرَ لِلنَّبِيِّ r شِدَّةُ رَجُلٍ وَقُوَّتُهُ فَقَالَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَشَدَّ مِنْهُ؟ رَجُلٌ شَتْمُهُ أَخُوهُ فَغَلَبَ نَفْسَهُ وَشَيْطَانَهُ, وَشَيْطَانَ صَاحِبِهِ. وقَالَ r: الصُّرَعَةُ كُلُّ الصُّرَعَةِ الَّذِي يَغْضَبُ فَيَشْتَدُّ غَضَبُهُ، وَيَحْمَرُّ وَجْهُهُ، وَيَقْشَعِرُّ شَعْرُهُ، فَيَصْرَعُ غَضَبَهُ.
عباد الله, لسائل أن يسأل: كيف يملِكُ المرءُ نفسَه في لحظة إثارته من سفيه أو جاهل؟ نقول: أولاً: ليتعوَّذَ بالله من الشيطان الرجيم, اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ r فَجَعَلَ أَحَدُهُمَا يَغْضَبُ وَيَحْمَرُّ وَجْهُهُ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ r فَقَالَ: إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ ذَا عَنْهُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. فَقَامَ إِلَى الرَّجُلِ رَجُلٌ مِمَّنْ سَمِعَ النَّبِيَّ r فَقَالَ: أَتَدْرِي مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ r آنِفً؟ قَالَ: إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ ذَا عَنْهُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: أَمَجْنُونًا تَرَانِي؟
لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ الَّذِي يَجِدُ من الغضب, ولَمَلَكَ نفسَهُ وضَبَطَها.
ثانياً: ليتذكر أحدُنا فضلَ وثوابَ كظْمِ الغيظ, وحبسِ الغضب, وعدمِ الانتصار للنفس, الْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ هم أنفسُهُم الذينَ إِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ. وجَزَاؤُهُمْ: {مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا}. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ، دَعَاهُ اللَّهُ U عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ اللَّهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ مَا شَاءَ. الثوابُ على قدر العمل, والجزاء من جنس العمل, لَمَّا كظم غيظه أمام الملأ وهو قادر أن يستوفي حقه, لكنه كظمه لله ظنَّ الناسُ أنَّ كظمَهُ للغيظِ عن عجزٍ وضعف فكان ثوابه: دَعَاهُ اللَّهُ U عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, لإثباتِ عِزَّتِهِ. حَتَّى يُخَيِّرَهُ اللَّهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ مَا شَاءَ, لإثباتِ كرامةِ اللهِ له. وقَالَ r: مَا مِنْ جَرْعَةٍ أحَبُّ إلَى اللهِ مِنْ جَرْعَةِ غَيْظٍ يَكْظِمُهَا عَبْدٌ، مَا كَظَمَهَا عَبْدٌ للهِ إِلَّا مَلأَ جَوْفُه إيمَانًا.
فانظر يا من يُغضبك أحمق, أو يُثيرك جاهل, انظر في هذا الثواب, ولا ترغَب عنه, ولا تغضَب له, واملِك نفسَك لله, واعلم أنَّ اللهَ سينتصِرُ لك ولو بعدَ حين.
اللهم زك نفوسنا, وطهر قلوبنا, وأصلح ذاتَ بيننا, أقول قولي هذا ..
أخي المسلم, يا عبد الله, إذا استطعتَ أن تسامِح فأنت أقوى الأقوياء, عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النبيّ r وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ – وتعرفون الأعراب فيهم من الجفاء والغلظة ما الله به عليم – فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً, قال أنس: حتى رأيتُ صَفْحَةَ عَاتِقِ النَّبِيِّ r قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ, مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ. فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ النبيُّ r فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ. هذه أخلاق الأنبياء, وهذا أمامُ الأنبياء, وهو قدوتُنَا.
فاتقوا الله تعالى وتخلقوا بأخلاقِ نبيكم r.
وَإِذَا غَضِبْتَ فَكُنْ وَقُورًا كَاظِمًا       لِلْغَيْظِ تُبْصِرُ مَا تَقُولُ وَتَسْمَعُ
فَكَفَى بِهِ شَرَفًا تَبَصُّرُ سَاعَــــــةٍ       يَرْضَى بِهَا عَنْكَ الْإِلَهُ وَتُرْفَــــعُ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق