الخميس، 25 أبريل 2013

خطبة بـ عنوان " الغنى والفقر"

عباد الله, ينبهِرُ الناسُ بالأغنياءِ الأثرياء, ويتابعون أخبارَهم وأقوالَهُم وتَجَارِبَهُم في الحياة, وهذا لا حرجَ فيه, الحرج حينَ يعتبرُ الناسُ ما فيهِ الأغنياءُ من غنى وثراءٍ هو إكرامٌ من الله لَهُم, ناسينَ الحكمةَ التي من أجلِها أغنى اللهُ هؤلاء, ووسّع عليهم.
اللهُ تعالى يا عباد الله يعطي ويمنع, ويبسط ويُقتِر, وكل ذلك لحكمة, قَالَ تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}وقال تعالى: {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} إذن هي الفتنةُ والابتلاء. الغنى ليس كلَّه إكرام, كما أنَّ الفقرَ ليس كلَّه إهانة, يُقرِّرُ اللهُ ذلك في كتابه فيقولُ{فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ.كَلَّا} حَصَرَ الإنسانُ رضا اللهِ عنه في النعمةِ والمالِ الوفيرِ, وقَصَرَ سُخْطَ اللهِ عليهِ في الخَصَاصَةِ والتَقتيرِ. قَالَ الله:{كَلَّاَ} أي ليس الَأمرُ كما زعم، لَا في هذا ولَا في هذا، إنّي لا أكرِمُ مَن أكرمتَ بكثرةِ الدنيا، ولا أُهينُ مَنْ أَهنتَ بقلّتِها الله يعطي المالَ مَنْ يُحِبُّ ومَنْ لَا يُحِب, ويُضيِّق على من يُحِبُّ ومن لَا يُحب، عطاؤُهُ في كل الأحوال ليسَ دليلاً على الرضا, ومنعُهُ في كل الأحوال ليس دليلاً على المقت, المسألةُ كُلُّهَا ابتلَاءٌ وامتحانٌ واختبارٌ {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ}.
وَالفوزُ والنجاحُ للمؤمنِ, فهو أحدُ رجلين: إمّا غنيٌّ صالِحٌ شاكِر وإمّا فقيرٌ تَقيٌّ صابِر, الِإكرامُ والِإهانةُ لَا تدورُ علَى سَعَةِ الرزقِ وتقتيرِهِ, الفقر والغنى بتقديرِ الله، يوسّع على الكافرِ لَا لكرامتِهِ، ويضيّق على المؤمنِ لَا لِهَوَانِهِ, المؤمنُ أكرمُ عندَ الله من الكافر, والمؤمنُ التقي الصالِح أكرم عند الله من المؤمن العاصي المفسد, فالمقياس ليس الغنى والفقر المسألة بتقديرِ اللهِ وحكمتِهِ أولاً وأخيراً, ولذلك قَالَ تعالى في حق الكافرين: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَاَ يَشْعُرُونَ}.
عن ابْنِ مَسْعُودٍ t قَالَ: إِنَّ اللهَ U قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلَاقَكُمْ كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ وَإِنَّ اللهَ يُعْطِي الْمَالَ مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ، وَلَا يُعْطِي الْإِيمَانَ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ، فَإِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْدًا أَعْطَاهُ الْإِيمَانَ، فَمَنْ ضَمِنَ بِالْمَالِ أَنْ يُنْفِقَهُ، وَهَابَ الْعَدُوَّ أَنْ يُجَاهِدَهُ، وَاللَّيْلَ أَنْ يُكَابِدَهُ فَلْيُكْثِرْ مِنْ قَوْلِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللهِ.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ. وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ. قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}.
وفَّقَنَا اللهُ وإيَّاكُم لِمَا يُحِبُّ ويَرضَى, وألزَمَنَا وإياكُم كلمةَ الحقِّ والهُدَى, وألبسَنَا وإيّاكُم ثوبَ العافيةِ والتُّقَى, وأعانَنَا وإيَّاكُم على طاعتِهِ فيما تبقّى .. إلَخ
عباد الله, يغني اللهُ تعالى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِحِكَمٍ يَعلَمُهَا: إمّا فضلاً منه ورحمةً ابتداءً. أو امتحاناً واختباراً لهذا الغني. أو استدراجاً وإمهالَاً وعذاباً له. ويُفقِرُ من يشاء لِحِكَمٍ يَعلَمُهَا: إمّا حمايةً لعبدِهِ منه ورحمةً به. أو امتحاناً لَهُ واختباراً. أو حرماناً وعذاباً لمعصية أصابَهَا. وقد يَبْسُطُ الرزقَ لبعضِ عباده؛ لأنّه يعلم أنه لا يُصلِحُهُ إلا بَسْطَ الرزقِ والغِنَى وَلَو أفقرهُ لَأفسَدَ عَليهِ دِينَه، ويُضيّقُ الرزقَ على بعضِ عباده؛ لأنه يعلم أنَّ التضييقَ عليه في الرزقِ أصلَحَ لَهُ ولَو أغناهُ لَأفسَدَ عليهِ دينَه، وكُلٌّ بقدرِ الله, وما يقدره ويقضيهِ لعباده بركة, وعاقبتُهُ خير, فَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ, إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا.
فاللهم يَا مَنْ عَمَّ العبادَ فَضلُهُ ونَعماؤُه, ووَسِعَ البريّةَ جُودُهُ وعَطَاؤُهُ, نَسألُكَ في هذه الساعة أن ترزقَنَا غنىً لَا يُطغينا, وصحةً لَا تلهينا, اللهم ارزقنا العافيةَ في دينِنَا ودنيانا وآخرتنا, اللهم وسِّع علينا وعلى إخوانِنَا المسلمين واجعل ما رزقتنا عَوناً على طاعتك وقوةً لنا في عبادتك يَا رَبَّ العالمين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وأَزْوَاجِهِ ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق