الجمعة، 27 سبتمبر 2013

خطبة بـ عنوان: "ذكر الله حصن المسلم"

عباد الله, ذكر الله تعالى حِصنُ المسلم, ذِكْرُ اللهِ تعالى حِرزٌ وحِصنٌ من الشيطان الرجيم, قَالَ النبيُّ الصادِقُ r: وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ العَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ كَذَلِكَ العَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ.
عباد الله, اِسمعوا هَذِهِ العبارة "إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ حَتَّى تَخْتِمَهَا فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ"من قائلُ هذا الكلام؟ كَلَامُ مَنْ هَذَا يا عباد الله؟ إنَّهُ كلامُ الشيطان عدُّوُنا الأزليُّ الأبديُّ قالَهَا لِأَبِي هُرَيْرَة t ونَقَلَهَا أَبُو هُرَيْرَةَ إلى النبيِّ r فَقَالَ r: صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ.
عباد الله, بذكرِ اللهِ يندَحِرُ الشيطان, بذكرِ اللهِ يَهرُب الشيطان, بذكرِ اللهِ يَصغُر الشيطان قَالَ ابنُ عباسٍ t: الشَّيْطَانُ جَاثِمٌ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِذَا سَهَا وَغَفَلَ وَسْوَسَ، وَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ. أي تراجَع وتَصَاغر.
عَثَرَت دَابَةٌ بالنبيِّ r ورَجُلٍ فَقَالَ الرجلُ: تَعِس الشَّيْطَانُ. فَقَالَ r: لَا تَقُلْ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ تَعِسَ الشَّيْطَانُ تَعَاظَمَ حتى يَكونَ مِثلَ البيت وفي لفظ: مِثْلَ الجَبَل, وَقَالَ: بِقُوَّتِي صَرَعْتُهُ، لكن قُلْ: بِسْمِ اللَّهِ, فإنَّهُ يَتَصَاغَرُ حَتَّى يَصِيرَ مِثْلَ الذُّبَابِ.
قَالَ الحافِظُ ابنُ كثير رحمه الله: وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْقَلْبَ مَتَى ذَكَرَ اللَّهَ تَصَاغَرَ الشَّيْطَانُ وغُلِب, وَإِنْ لَمْ يُذْكَرِ اللَّهَ تَعَاظَمَ وَغَلَبَ.
وقال العلَّامَةُ ابنُ القيّم: وَبِالذِّكْرِ: يَصْرَعُ الْعَبْدُ الشَّيْطَانَ كَمَا يَصْرَعُ الشَّيْطَانُ أَهْلَ الْغَفْلَةِ وَالنِّسْيَانِ. وعن بعضِ السلف: إذا تَمَكَّنَ الذكْرُ من قلبِ الإنسي صَرَعَ كُلَّ شيطانٍ يَدنو مِنه, فيَجتمِعُ الشياطينُ عَلَى الشيطانِ المصروع, فيقولون: ما لهذا؟ فيُقال: قد مسَّهُ الِإنسيّ. أي صَرَعَهُ بذكرِ الله.
وفي المقابل قَالَ تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} قَرِينٌ يُشَارِكُ ويُقلِقُ ويؤذي جسدياً وروحيّاً ويُزعِجُ في اليقظةِ والمنام, في الخلوةِ والجلوة, في الِاجتماع والوحدة, فمَنْ غَفَلَ عن ذكرِ اللهِ حَضَرَ الشيطانُ, وخذوا مثالاً على حضورِ الشياطين إذا غفل العبدُ عن الذكر, ففي الحديثِ الصحيح: إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ أي لِرِفَاقِهِ وأعوَانِهِ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ .. خلاص لا سبيلَ لدخولِهِم, لأنَّ الداخِلَ ذَكَرَ اللهَ عِندَ دخولِهِ قَالَ: وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ.
ولك أن تتصوَّرَ إذا دَخَلَ الشيطانُ بيتَك, وتَغَذَّى من طعامِك, وظَلَّ يُرَاقِبُ تَصرُّفَاتِك, ويستغِلُّ الفرصَ في إيذائِك وإغوائِك, أنتَ وأهلَ بيتِك ما النتيجة؟
وكذلك في الخروجِ من المنزل, كَمَا في الحديثِ الصحيح:  مَنْ قَالَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ: بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، يُقَالُ لَهُ: كُفِيتَ، وَوُقِيتَ، وَتَنَحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ. وفي رواية: فَيَلْقَى الشَّيْطَانُ الشَّيْطَانَ، فَيَقُولُ لَهُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَوُقِيَ وَكُفِيَ؟
ألَا فَلَا تغفلوا يا حَمَاكُم اللهُ, لا تغفلوا عن ذكرِ اللهِ, وَلَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ, فالغفلةُ عن ذكرِ اللهِ ثغرةٌ تَلِجُ مِنهَا الشياطينُ, فتؤذي وتَضُرّ, وَتأمَّلُوا حَالَ المسحورين والممسُوسين والمعيونين وما أصابهم, الوقايةُ خيرٌ من العلاج, فعليكم بالحصونِ الأمينة, والحروزِ المكينة, بذكرِ اللهِ بأنواعه, أذكارِ الصباح والمساء, أذكارِ دخولِ المنزل والخروج منه, أذكارِ النوم والِاستيقاظ, أذكارِ دخولِ الخلاء والخروج منه, أذكارِ الأكل والشرب, اِحفظوها وحَفّظوها أهليكم, لِتسلَمُوا من الشياطين, فلن يَعصِمَكُم مِنهَا إلّا رَبُّهَا وخالِقُها, قَالَ بعضُ السلفِ لطالبِهِ: مَا تصنَعُ بالشيطانِ إذَا سَوَّلَ لك الخطايا؟ قَالَ: أجاهده. قَالَ: فَإِن عادَ؟ قَالَ: أجاهده قَالَ: فَإِن عاد؟ قَالَ: أجاهده. قَالَ: هَذَا يطول, أرأيتَ إن مَررْتَ بِغَنَمٍ فنبَحَكَ كَلبُهَا أَوْ مَنَعَكَ من العبورِ مَا تصنع؟ قَالَ: أكابِدُهُ وأردُّهُ جَهدي, قَالَ: هَذَا يَطولُ عليكَ يا بُنَيّ, ولكن اِستَعَن بصاحِبِ الغَنَمِ يَكُفُّهُ عنك. فلنستعِذْ باللهِ تعالى من الشياطينِ وشرِّهَا وكيدِهَا.
{وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ. وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ}.
اللهم أعذنا من الشيطان الرجيم وكيده وشرّه, اللهم احفظنا وأهلينا ..
أيها الأب الكريم, ذكرُ اللهِ سلاحُكَ القويُّ, ودِرعُكَ الواقي الذي تُلبِسُهُ أولادَك وأهلَك حينَ خروجِهِم من البيت, هل جلستَ مع أبنائِك وبناتِك قبلَ خروجِهِم لمدارِسِهِم وأعمالِهِم فقرأتم سوياً أذكارَ الصباح؟ لا تأخُذُ مِنكم سوى ثلاثَ إلى أربع دقائق فقط. هل فعلتُم ذلك؟ هل تجتمع معهم قبلَ المغرب وتقولون أذكار المساء؟
عملٌ يسير لكن أثره على الواقع كبير وعظيم.
فلا تغفل عن هذا العملِ اليسيرِ كُلَّ يومٍ وليلة, فَهُوَ حِصنُهُم وحِرزُهُم من شياطينِ الإنسِ والجنّ.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ .. إلخ

السبت، 21 سبتمبر 2013

خطبة بـ عنوان: "تعامل الطلاب مع المعلمين"

عباد الله,
قُـــــمْ للمعلّـــــمِ ووَفّهِ التبجيــــلَا       كَـادَ المُعلّمُ أَنْ يَكونَ رَسُولَا
أرأيتَ أفضَلَ أو أجَلَّ مِنْ الذي       يَبنِي ويُنشِئُ أنفُسَاً وعُقُولاً؟
المعلمُ رسالتُهُ عظيمة, ودَورُهُ فَعَّال, هو أخٌ أكبر, وموجّهٌ, ومؤدّبٌ، جَذوَةٌ مُتَوَقِّدَةٌ للسالكين، ونَبْعٌ صَافِي للناهلين، أنا أتكلَّمُ عن المعلمينَ المُخلصين الأمناء, الذين يخافونَ اللهَ في أداءِ عَمَلِهِم ومِهنَتِهِم, هؤلاء, الأدبُ معهم, واحترامُهُم, وإكرامُهُم, مطلَبٌ شرعيٌّ وعقلي. لكن للأسف ظهَرَت في الآونةِ الأخيرةِ سلوكياتٌ تُنمِي عن انهيارٍ أخلاقي, وانهيارٍ سلوكي, في التعامل مع المعلمين.
أولاً لابُدَّ أن تعلموا أنَّ العلمَ والأدبَ توأمانِ مُتلازِمَانِ لا يَنفكّان أبداً, وإذا اختَلَّ مَا بينَهُمَا, وأَفلَسَت أخلاقُ الطلابِ مع معلميهم, فقولوا على التعليم وعلى مُخرَجَاتِهِ السَّلَام, فَلَاَ يُرجَى خيرُهُم وَلَاَ يُؤمَنُ شرُّهُم. خذوا أمثلةً على بعضِ السلوكياتِ السلبيةِ في مدارِسِنَا, ونحن نذكرُها من بابِ بيانِ الشرّ ليُتقى ويُترَك ويُجتنب:
هُنَاكَ طُلّاباً يَشرَبُونَ الدخانَ أمامَ المعلمين ولا يُبَالون, هل هَذَا من الأدب؟يقولُ المُرادي الربيعُ بنُ سليمان راوي كُتُبِ الشافعي: واللهِ مَا جَرُئْتُ أن أشرَبَ الماءَ والشافعيُّ ينظُرُ إليَّ. احتراماً وأدباً لمعلمِهِ وأستاذِهِ, فكيف بِمَنْ يشرَبُ خبيثاً مُحَرَّماً؟
هُنَاكَ طُلّاباً داخِلَ صَفّ الدراسة يتضاحكون ويسخرون وترتفع أصواتُهُم ويلعبون بأجهزتِهِم وجوالاتِهِم والمعلم بينَهُم ولا يأبهونَ به ولا يَهتمُّون له, قَالَ الشافعي: كنتُ أقرأُ الموطأ على الإمامِ مالك فأصْفَحُ الورقَ صفحاً رقيقاً هيبةً له ألا يَسمَعَ صوتَه. أدباً وإجلاَلاً.
هُنَاكَ مَنْ يُجادِلُ مُعلّمَهُ ويُقَارِعُهُ ولا يَدعُه يُكمِلُ درسَهُ تشويشاً وتضيعاً للوقت فَلَا يخرَجُ بفائدة بل قَلَّلَ أدبَه, وأطال لسانَه, وسَفَّهَ أستاذَه, وأهانَ قدرَهُ أمامَ زملائِهِ. ورَحِمَ اللهُ الشافعيَّ الذي رَفَضَ مناظرةَ محمدَ بنِ الحسنِ الشيباني, هل تعلمونَ لِمَاذا؟ قال: إنِّي أُجِلُّكَ عن المناظرة. أي: لأنَّكَ معلمي وأستاذي، وأنت أرفعُ مِنْ أن يُنَاظِرَكَ مثلي. مع أنَّ الحقَّ مع الشافعي, لكنَّهُ الأدبُ الذي يُفتقَدُ هَذَا الزمن.
هُنَاكَ مَنْ يتطاوَلُ بلسانِهِ على المعلمين لَمزَاً وهَمْزَاً وشَتماً وتهديداً بالإيذاءِ بل يتطاوَلُ بيدِهِ اعتداءً وتعدّيَاً عَلَى سياراتِهِم وممتلكاتِهِم, بل تعجبوا إذا وَصَلَ الأمرُ إلى الِاعتداءِ على أشخاصِهِم بالضربِ والإهانةِ والإذلال ثم سمعنا عن القتلِ المُتَعَمَّد.
سلوكياتٌ دخيلةٌ على مجتمَعِنَا, ولا ندرِي مَا سببُهَا؟
أهو المنزلُ والتربيةُ وانعدامُ غرسِ ثقافةِ احترامِ المعلمِ من البيت؟ ربما.
أهي الجهةُ المسئولةُ عن المعلمين والتي نزَعَت منهم كُلَّ الصلاحيات, وسَلَبتهُم حقوقَهُم, وكسَّرَت مَجَادِيفَهُم فَلَاَ يَملِكُونَ لأنفسِهِم أمامَ الطلابِ لا حولاً ولا قوةً؟ لعله.
أهو في قراراتِ مَنْعِ الضربِ في المدارسِ والِاكتفاءِ بحَسمِ الدرجاتِ والتأنيبِ اللفظي؟ قد يكون.
أهو في شخصيَّةِ بعضِ المعلمين والذين للأسف أساءوا لمهنةِ التعليم ولرسالةِ المعلم, فتراهم يَنزِلُونَ إلى مستوى الطلابِ في سلوكياتِهِم حتى حدثني من أثِقُ فيه وفي علمِهِ أنَّ بعضَ المعلمين يجلسُ مع بعضِ طُلابِهِ الذينَ يُدرسُهُم صباحاً, يجلِسُ معهم مساءً في المقاهي يلعبون الوَرَق, ويَسمرونَ على منكراتِ الفضائيات إلى قبيلَ الفجر, فماذا أبقى هؤلاء المعلمون من شخصياتِهِم حتى تُحترَم؟ رَحِمَ اللهُ زماناً كان للمعلم هيبةٌ يُرَى أثرُها إذا مَرَّ في طريقٍ أو حَضَرَ مجلساً أو مناسبة, كان لَهُم أثرٌ, وأيُّ أثر؟ وكانَ لَهُم احترامٌ, وأيُّ احترام؟ وكان لَهُم تقديرٌ, وأيُّ تقدير؟
ألا فليَكُن لَكُم ياعباد الله دورٌ في إحياءِ ثقافَةِ احترامِ المعلم, وإفهامُ الِابنِ أنَّ نجاحَكَ الحقيقيَّ يَكونُ في احترامِكَ لِمُعَلِّمِكَ ورعايةِ حُرمَتِهِ, وإخفاقَكَ وفَشَلَك في سوءِ أدبِكَ معَه, كان للحافِظِ ابنِ حَجَر شارحِ صحيحِ البخاري شيخٌ يُسمَّى الحافِظُ العراقي كَانَ إذَا أرادَ ابنُ حجر أن يسألَهُ مسألةً يَقِفُ بينَ يديه ويَقول: ما يقول سيدي في كذا وكذا. أدباً واحتراماً.
هذه الآدابُ تُحكَى لتُحَاكَى, لا نقولُها كأخبارٍ مَضَت مع أصحابِهَا, كلَّا, الموفَّقُ مِنَّا مَنْ يُرَبّي أبنائَهُ على توقيرِ المعلمِ واحترامِهِ, وتقديرِهِ.
نسأل الله تعالى أن يرزقَنا وإياكم وأبنائَنا الأدبَ مع المعلمين والمربين, وأن يجعل أبنائَنَا مفاتيحَ للخير مغاليقَ للشر, صالِحينَ مُصلحينَ, نافعينَ لدينهم وأمتهم ..
عباد الله, علِّمُوا أولادَكُم أنَّ خضوعَهُم للمعلمِ فَخْرٌ, وتواضُعَهم له رِفعةٌ, وأدبَهُم معَه شَرَفٌ, وذُلَّهُم له عِزٌّ, وصبرَهُم على تأديبِهِ وتأنيبِهِ أبقَى وأنفَع.
قال الإمامُ الشافعيُّ رحمه الله:
اِصبِرْ عَلَى مُرِّ الْجَـــفَا مِنْ مُعَلّـمٍ         فإنَّ رُسوبَ العلــمِ فِي نَفَرَاتِهِ
مَنْ لَم يَذُقْ مُرَّ التعلُّمِ سَاعـــــةً         تَجرَّعَ ذُلَّ الجهْلِ طُولَ حَيَاتِهِ
شُعْبَةُ بنُ الحَجَّاجِ الإمامُ الكبيرُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ كَانَ يقول: مَنْ سَمِعْتُ مِنْهُ حَدِيثًا فَأَنَا لَهُ عَبْدٌ.
كَمَا قيل: مَنْ عَلَّمَنِي حَرفاً صِرْتُ لَهُ عَبدَاً. أي في الِاعترافِ بالفضلِ والخدمة.
فكيفَ تعامُلُ أبنائِنَا مع معلميهم وأصحابِ الفضلِ عليهم؟
لنكن جميعاً مِمَّن{يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}.

الجمعة، 13 سبتمبر 2013

خطبة بـ عنوان: "الثقة بالله في زمن الفتن"

عباد الله, في طيات المحن تظهر المنح, وفي بواطن الفتنة تظهر النعمة, وبين ظلام الإرهاب والإرعاب والقهر الجسدي والنفسي, تظهر شوارقُ الإيمان وأنوارُ اليقين, فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا من هذه الأحداث التي تَمُرُّ بالأُمَّةِ وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ, ولذلك قال بعض الحكماء: رُبَّ أَمْرٍ تَتَّقِيهِ .. جَرَّ أَمْرًا تَرْتَضِيهِ .. خَفِيَ الْمَحْبُوبُ منه .. وَبَدَا المكروه فيه.
هل تعلمونَ متَى قَالَ النبيُّ r: مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنٍ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟ قَالَهَا والمشركون يُحاصِرُونَ الغار, والصدّيقُ t خائِفٌ يقول: يَا رَسُولَ اللَّهِ, لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا، فتظهَرُ في هذه الِمحنَةِ والكُرْبَة الثقةُ بالله, وبمعيتِهِ وبحفظِهِ وبنصرِهِ {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}.
هل تعلمونَ متَى قَالَ النبيُّ r والمؤمنون معه: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ؟ قالوها والمشركون قد جَمَعُوا العُدَّةَ والنَّاس, واقتربوا من المدينة, للإغارةِ على النبيّ وأصحابِه, وكان هذا بعدَ غزوةِ أُحُد بيوم, والمسلمونَ مَكلومون مُرهَقُون مَكروبون, فتظهَرُ في هذا الوقتِ العصيبِ الثقةُ باللهِ تعالى, وصدقُ الِاعتماد عليه، وحُسنُ التوكُّلِ عليه، وتفويضُ الأمورِ إليه, {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ. الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}.
عباد الله, هل تعلمونَ متى استبشرَ النبيُّ r بِفَتْحِ الشَّامِ, وفتحِ الفرس, وفتحِ اليمن قبلَ أن تُفتَحَ جميعاً؟ استبشَرَ النبيُّ r بفتحِهَا في أحلَكِ الظروفِ وأسوئِهَا, في غزوةِ الأحزاب, والمشركون يحاصرون المدينة من كل مكان, يَصِفُ اللهُ ذلك الموقِفَ فيَقولُ: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا. هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} في ذلك الموقف الحَرِج, تظهَرُ الثقةُ باللهِ وبنصرِهِ الموعود, فيَنَزِلُ النبيُّ r لِيَكسِرَ صَخرَةً في الخندقِ الذي أَمَرَ بحفرِهِ, فَقَالَ بعدَ الضربةِ الأولى: اللهُ أَكْبَرُ, أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ، وَاللهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ مِنْ مَكَانِي هَذَا. ثِقةً بنصرِ اللهِ له, ثُمَّ قَالَ بعدَ الضربةِ الثانية: اللهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ، وَاللهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ الْمَدَائِنَ، وَأُبْصِرُ قَصْرَهَا الْأَبْيَضَ مِنْ مَكَانِي هَذَا. ثُمَّ قَالَ بعدَ الضربةِ الثالثة: اللهُ أَكْبَرُ, أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ, وَاللهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي هَذَا. متى قالَهَا؟ في موطِنِ الشدَّةِ والضِّيقِ, على ماذا يدلُّنا هذا؟ يدلُّنَا على الثقةِ بالله في زمن المحنة, على الثقةِ بالله في وقتِ الفتنة, يَدلُّنَا على التفاؤلِ في زمنِ التشاؤم, يَدلُّنَا على التناصرِ في زمنِ التخاذل, يَدلُّنَا على رفعِ المعنويات في زمن الحربِ والِابتلاءات. وَهَذَا مَا نريدُهُ في زمانِنَا, زمنِ التكالب والتآمر والتخاذل, تكالب الأعداء على المسلمين, وتآمر الكفار وعملائهم على ضرب الإسلام وتشويه سمعة الإسلاميين المجاهدين, وتخاذل بعض المسلمين عن النصرة ولو بكلمة, في ظل هذه الظروفِ الحَرِجَةِ من تاريخِ الأُمَّة نريدُ إحياءَ شعورِ الثقة بالله وبمعيتِهِ وبنصرِهِ وبتأييده, وهذا من نصرنا لله تعالى {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}.
فَيَا مَنْ تُحِبُّ رسولَ الله, وتريدُ السيرَ عَلَى خُطَاه, أحيي في قلبك الثقةَ بالله, ولا يدخل قلبَك شَكٌّ ولا يَأسٌ ولا قُنوطٌ ولا خَوَرٌ ولا اِستسلامٌ ولا انهزام, {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} أي: لا تَهِنُوا ولا تَحزَنُوا أيها المؤمنون فإنَّ الإيمانَ يُوجِبُ قوةَ القلب، ومزيدَ الثقةِ بِهِ تعالى، وعدمَ المبالَاَةِ بأعدائِهِ. فلنَكُن جميعاً في أي موقفٍ وأزمَةٍ كَحَالِ صحابَةِ رسول الله r حين امتدحَهُمُ اللهُ تعَالى بقولِهِ: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}.
اللهم ارزقنا الثقة فيك, والتوكل عليك, وتفويض الأمور إليك, اللهم إنَّا نسألك إيماناً يباشر قلوبنا, ويقيناً صادقاً .. إلخ
عباد الله, يقولُ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ: ثَلَاثُ خِصَالٍ مِنْ صِفَةِ الْأَوْلِيَاءِ: الثِّقَةُ بِاللهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَالْغِنَى بِهِ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَالرُّجُوعُ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
هذه الصفات نُرِيدُهَا مِنكَ أيها المسلم الثِّقَةُ بِاللهِ، وَالْغِنَى بالله, وَالرُّجُوعُ إِلى الله, نُرِيدُهَا مِنكَ في كُلِّ الأوقاتِ خُصوصَاً في الفتنِ والأزَمَاتِ, فَلَاَ تَزيدُكَ أيُّ فتنةٍ أو أزمةٍ إلَّا ثِقةً بالله, وتوكُّلَاً عليه, واستغناءً بِهِ, ورجوعاً إليه, ولَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا بقول: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ, فهو ناصِرُ المؤمنين, ومُنجِي المستضعفين, وفارجُ هَمّ المهمومين, وقاهِرُ الظالِمين, ومبدّلُ المتآمرين والمُرجِفين. اللهم آمين.

الجمعة، 6 سبتمبر 2013

خطبة بـ عنوان: "من أشراط الساعة"

عباد الله قَالَ اللهُ تَعَالى{فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً أَيْ فَجْأَةً. وَهَذَا وَعِيدٌ للغافلينَ المعرضين.. فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} أَيْ أَمَارَاتُهَا وَعَلَامَاتُهَا. وهذا من رحمةِ الله تعالى بعبادِهِ أنْ جَعَلَ للساعةِ أشراطاً وعلامات قال العلماء: منها صغرى ومنها كبرى أما الكبرى فلم يظهر منها شيءٌ على الصحيح أما الصغرى فقد ظَهَرَ جُلُّهَا بشكلٍ متسارع, وللهِ تعالى الحكمةُ البالغةُ فيما يقضي ويقدر, فلنستعرِض طَرَفَاً منها, سرعةُ الوقتِ وانقضاءُ الليالي والأيام علامَةٌ للساعةِ مُلفِتَة, يَقولُ النبيُّ r: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ, فَتَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَيَكُونَ الشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ أي كأسبوع, وَتَكُونَ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ, وَيَكُونَ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَتَكُونَ السَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ. والسَّعَفَةُ القطعةُ الصغيرةُ من جريدِ النَّخل, واحتراقُهَا سريعٌ جداً, فالأربع والعشرين ساعة تمر على العبد كلحظة دون أن يشعر بها, أو يُنجِزَ فِيهَا شيئاً.
عباد الله, كثرةُ فتنِ الشبهاتِ والشهواتِ في الأُمَّةِ من أشراط الساعة تبدأ الفتنة في شبهةٍ أو شهوة فينكرها الجميع العلماء والعامّة ثم يألَفُهَا العامّةُ وينكرُها العلماء, ثم يسكت عنها العلماء والعامَّة وينسونَ إنكارَ العُلمَاءِ الأولينَ لهَا, فتتمكن وتصبح أمراً عادياً مباحاً بل يُعَادَى مَنْ يُنكِرُهَا والسببُ: انتشارُها وإِلفُ النّاسِ لها وعدمُ إنكارِ قلوبِهِم لها, قَالَ حُذَيْفَةُ t: إِنَّ الْفِتْنَةَ إِذَا كَانَتْ عُرِضَتْ عَلَى الْقُلُوبِ, فَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ, وَأَيُّ قَلْبٍ لَمْ يُنْكِرْهَا نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، قال: ثُمَّ تَكُونُ فِتْنَةٌ فَتُعْرَضُ عَلَى الْقُلُوبِ، فَإِنْ أَنْكَرَهَا الَّذِي أَنْكَرَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، وَإِنْ لَمْ يُنْكِرْهَا الَّذِي لَمْ يُنْكِرْهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، قال: ثُمَّ تَكُونُ فِتْنَةٌ فَتُعْرَضُ عَلَى الْقُلُوبِ، فَإِنْ أَنْكَرَهَا الَّذِي أَنْكَرَهَا مَرَّتَيْنِ نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، وَاشْتَدَّ قلبُهُ وَصَفَا، فَلَمْ يَضُرَّهُ فِتْنَةٌ أَبَدًا، وَإِنْ لَمْ يُنْكِرْهَا الَّذِي لَمْ يُنْكِرْهَا فِي الْمَرَّتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فَاسْوَدَّ قَلْبُهُ كُلُّهُ، وَارْبَادَّ، ثُمَّ نُكِسَ, فَلَمْ يَعْرِفْ مَعْرُوفًا، وَلَمْ يُنْكِرْ مُنْكَرًا.
أيضاً كثرةُ الزلازل والهزاتِ الأرضية, وتتابُعَهَا من أشراطِ الساعة يَقولُ النَّبِيُّ r: لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الفِتَنُ, وَيُقْبَضَ العِلْمُ.
وَيُقْبَضَ العِلْمُ يفسرُهُ حديثَ عبدِالله بن عمرو وهو بقبض العلماء أي موتِهِم.
كثرةُ القتلِ وانتشارُهُ في الأرض من أشراطِ الساعة, يَقولُ النَّبِيُّ r: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِي أَيِّ شَيْءٍ قَتَلَ، يعني لماذا يقتلُ غيرَه؟ وَلَا يَدْرِي الْمَقْتُولُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ قُتِلَ؟ لا يدري ما سببُ قتلِهِ.
ومن أشراطِ الساعة أن الكاذبَ يُصدَّق, والصادقَ يُكذّب, والخائنَ الفاسق يؤتَمَن والمؤتَمَنَ الصالِحَ يُخوّن, قَالَ النَّبِيُّ r: تَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ, وفي رواية: وَتَشِيعُ فِيهَا الْفَاحِشَةُ, وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ, قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ.
والسَّفِيهُ هو الذي لا يؤبه به, ولا يؤبه برأيه, وقيل: هو الجاهل المتعالم, وقيل: هو الفاسق المفسد المدعي الإصلاح, فتراهم يتكلمون في قضايا الأُمَّة المصيرية. وما أكثرُهُم في زماننا نسأل الله العافية والسلامة. ومن أشراطِ الساعة أن يَعْلُو التُّحُوتُ, ويوضَعَ الْوُعُولَ, فالمُفْسِدُ يُكرَّمُ ويُحتَفَى بِهِ, والمُصْلِحُ يُهَانُ ويُعتَقَل, يُكرَّمُ الفسقة ويُهانُ الكرام، يُهَانُ الناصحون ويُذَمُّونَ ويُستَخَفُّ بِهِم وفي المقابل يُكرَّمُ الساقطون والساقطات والمفسدون والمفسدات, في زمن العجائب والمتناقضات.
عباد الله, وفيما يخص مكة شرفها الله, أُثِرَ عن بعضِ أصحابِ النبيّ r أنه رَأَى بُنْيَانًا عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ فَقَالَ: إِذَا رَأَيْتَ بُيُوتَ مَكَّةَ تَعْلُو أَخْشَبَيْهَا الْجَبَلَيْنِ المطلين على الكعبة وَجَرَى الْمَاءُ فِي طُرُقِهَا, فَخُذْ حِذْرَكَ. وفي رواية: فَقَدْ أَزِفَ الْأَمْرُ. يعني اقتربت الساعة. وفي رواية: فَاعْلَمْ أَنَّ الْأَمْرَ قَدْ أَظَلَّكَ. وفي السيرة: أنَّهُ لَمَّا هُدِمَ الْبَيْتُ الحرامُ وُجِدَ فِيهِ صَخْرَةٌ مَكْتُوبٌ فِيهَا: أَنَا اللَّهُ ذُو بَكَّةَ, صُغْتُهُ يَوْمَ صُغْتُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ, حَفَفْتُهُ بِسَبْعَةِ أَمْلَاكٍ حِلَقًا، بَارَكْتُ لِأَهْلِهِ فِي السَّمْنِ وَالسَّمِينِ، وفي لفظ: اللَّحْم وَاللَّبن, لَا يَزُولُ حَتَّى تَزُولَ الْأَخْشَبَانِ يَعْنِي الْجَبَلَيْنِ المطلين على الكعبة, وَأَوَّلُ مَنْ يَحِلُّهَا أَهْلُهَا.
هذه بعض أشراط الساعة الصغرى التي جاءت بها النصوصُ الشرعية, وما تركته أكثر مما ذكرته, فاللهم لا تأخذنا على غِرّة, اللهم إنا نعوذُ بك من فجاءة نقمتك, اللهم توفنا مسلمين, وألحقنا بالصلحين, ولا تردنا على أدبارنا خاسرين, ولا عن ديننا مفتونين ..
عباد الله, ليس المقصودُ مِنْ ذِكرِ هذِهِ العَلَاماتِ تَخويفَكُم وإرعابَكُم بل المقصودُ تنبيهُ الغافلين وإيقاظُ النائمين لكي لا يُفَاجَئُوا بهذِهِ الأمور العِظَام {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} هي للاتعاظِ والِاستعدادِ الصادِقِ, فَاللهَ اللهَ في الِإقبالِ على اللهِ, اللهَ اللهَ في التوبةِ النَصُوح, اللهَ اللهَ في العملِ الصالح, والبُعدِ عن مواطِنِ الفتن, ومراتِعِ اللهوِ والغفلة, ومنابِعِ الشَّرِ والفساد{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}.
نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يَلطُفَ بِنَا, وأن يعفُوَ عنَّا وأن يُقوّيَ إيمانَنَا ويُثبّتَ على دينِهِ قلوبَنَا حتى نلقاه ..