عباد الله, ذكر الله تعالى حِصنُ المسلم, ذِكْرُ اللهِ تعالى حِرزٌ وحِصنٌ من الشيطان الرجيم, قَالَ النبيُّ الصادِقُ r: وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ العَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ كَذَلِكَ العَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ.
عباد الله, اِسمعوا هَذِهِ العبارة "إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ حَتَّى تَخْتِمَهَا فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ"من قائلُ هذا الكلام؟ كَلَامُ مَنْ هَذَا يا عباد الله؟ إنَّهُ كلامُ الشيطان عدُّوُنا الأزليُّ الأبديُّ قالَهَا لِأَبِي هُرَيْرَة t ونَقَلَهَا أَبُو هُرَيْرَةَ إلى النبيِّ r فَقَالَ r: صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ.
عباد الله, بذكرِ اللهِ يندَحِرُ الشيطان, بذكرِ اللهِ يَهرُب الشيطان, بذكرِ اللهِ يَصغُر الشيطان قَالَ ابنُ عباسٍ t: الشَّيْطَانُ جَاثِمٌ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِذَا سَهَا وَغَفَلَ وَسْوَسَ، وَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ. أي تراجَع وتَصَاغر.
عَثَرَت دَابَةٌ بالنبيِّ r ورَجُلٍ فَقَالَ الرجلُ: تَعِس الشَّيْطَانُ. فَقَالَ r: لَا تَقُلْ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ تَعِسَ الشَّيْطَانُ تَعَاظَمَ حتى يَكونَ مِثلَ البيت وفي لفظ: مِثْلَ الجَبَل, وَقَالَ: بِقُوَّتِي صَرَعْتُهُ، لكن قُلْ: بِسْمِ اللَّهِ, فإنَّهُ يَتَصَاغَرُ حَتَّى يَصِيرَ مِثْلَ الذُّبَابِ.
قَالَ الحافِظُ ابنُ كثير رحمه الله: وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْقَلْبَ مَتَى ذَكَرَ اللَّهَ تَصَاغَرَ الشَّيْطَانُ وغُلِب, وَإِنْ لَمْ يُذْكَرِ اللَّهَ تَعَاظَمَ وَغَلَبَ.
وقال العلَّامَةُ ابنُ القيّم: وَبِالذِّكْرِ: يَصْرَعُ الْعَبْدُ الشَّيْطَانَ كَمَا يَصْرَعُ الشَّيْطَانُ أَهْلَ الْغَفْلَةِ وَالنِّسْيَانِ. وعن بعضِ السلف: إذا تَمَكَّنَ الذكْرُ من قلبِ الإنسي صَرَعَ كُلَّ شيطانٍ يَدنو مِنه, فيَجتمِعُ الشياطينُ عَلَى الشيطانِ المصروع, فيقولون: ما لهذا؟ فيُقال: قد مسَّهُ الِإنسيّ. أي صَرَعَهُ بذكرِ الله.
وفي المقابل قَالَ تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} قَرِينٌ يُشَارِكُ ويُقلِقُ ويؤذي جسدياً وروحيّاً ويُزعِجُ في اليقظةِ والمنام, في الخلوةِ والجلوة, في الِاجتماع والوحدة, فمَنْ غَفَلَ عن ذكرِ اللهِ حَضَرَ الشيطانُ, وخذوا مثالاً على حضورِ الشياطين إذا غفل العبدُ عن الذكر, ففي الحديثِ الصحيح: إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ أي لِرِفَاقِهِ وأعوَانِهِ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ .. خلاص لا سبيلَ لدخولِهِم, لأنَّ الداخِلَ ذَكَرَ اللهَ عِندَ دخولِهِ قَالَ: وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ.
ولك أن تتصوَّرَ إذا دَخَلَ الشيطانُ بيتَك, وتَغَذَّى من طعامِك, وظَلَّ يُرَاقِبُ تَصرُّفَاتِك, ويستغِلُّ الفرصَ في إيذائِك وإغوائِك, أنتَ وأهلَ بيتِك ما النتيجة؟
وكذلك في الخروجِ من المنزل, كَمَا في الحديثِ الصحيح: مَنْ قَالَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ: بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، يُقَالُ لَهُ: كُفِيتَ، وَوُقِيتَ، وَتَنَحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ. وفي رواية: فَيَلْقَى الشَّيْطَانُ الشَّيْطَانَ، فَيَقُولُ لَهُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَوُقِيَ وَكُفِيَ؟
ألَا فَلَا تغفلوا يا حَمَاكُم اللهُ, لا تغفلوا عن ذكرِ اللهِ, وَلَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ, فالغفلةُ عن ذكرِ اللهِ ثغرةٌ تَلِجُ مِنهَا الشياطينُ, فتؤذي وتَضُرّ, وَتأمَّلُوا حَالَ المسحورين والممسُوسين والمعيونين وما أصابهم, الوقايةُ خيرٌ من العلاج, فعليكم بالحصونِ الأمينة, والحروزِ المكينة, بذكرِ اللهِ بأنواعه, أذكارِ الصباح والمساء, أذكارِ دخولِ المنزل والخروج منه, أذكارِ النوم والِاستيقاظ, أذكارِ دخولِ الخلاء والخروج منه, أذكارِ الأكل والشرب, اِحفظوها وحَفّظوها أهليكم, لِتسلَمُوا من الشياطين, فلن يَعصِمَكُم مِنهَا إلّا رَبُّهَا وخالِقُها, قَالَ بعضُ السلفِ لطالبِهِ: مَا تصنَعُ بالشيطانِ إذَا سَوَّلَ لك الخطايا؟ قَالَ: أجاهده. قَالَ: فَإِن عادَ؟ قَالَ: أجاهده قَالَ: فَإِن عاد؟ قَالَ: أجاهده. قَالَ: هَذَا يطول, أرأيتَ إن مَررْتَ بِغَنَمٍ فنبَحَكَ كَلبُهَا أَوْ مَنَعَكَ من العبورِ مَا تصنع؟ قَالَ: أكابِدُهُ وأردُّهُ جَهدي, قَالَ: هَذَا يَطولُ عليكَ يا بُنَيّ, ولكن اِستَعَن بصاحِبِ الغَنَمِ يَكُفُّهُ عنك. فلنستعِذْ باللهِ تعالى من الشياطينِ وشرِّهَا وكيدِهَا.
{وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ. وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ}.
اللهم أعذنا من الشيطان الرجيم وكيده وشرّه, اللهم احفظنا وأهلينا ..
أيها الأب الكريم, ذكرُ اللهِ سلاحُكَ القويُّ, ودِرعُكَ الواقي الذي تُلبِسُهُ أولادَك وأهلَك حينَ خروجِهِم من البيت, هل جلستَ مع أبنائِك وبناتِك قبلَ خروجِهِم لمدارِسِهِم وأعمالِهِم فقرأتم سوياً أذكارَ الصباح؟ لا تأخُذُ مِنكم سوى ثلاثَ إلى أربع دقائق فقط. هل فعلتُم ذلك؟ هل تجتمع معهم قبلَ المغرب وتقولون أذكار المساء؟
عملٌ يسير لكن أثره على الواقع كبير وعظيم.
فلا تغفل عن هذا العملِ اليسيرِ كُلَّ يومٍ وليلة, فَهُوَ حِصنُهُم وحِرزُهُم من شياطينِ الإنسِ والجنّ.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ .. إلخ