الجمعة، 6 سبتمبر 2013

خطبة بـ عنوان: "من أشراط الساعة"

عباد الله قَالَ اللهُ تَعَالى{فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً أَيْ فَجْأَةً. وَهَذَا وَعِيدٌ للغافلينَ المعرضين.. فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} أَيْ أَمَارَاتُهَا وَعَلَامَاتُهَا. وهذا من رحمةِ الله تعالى بعبادِهِ أنْ جَعَلَ للساعةِ أشراطاً وعلامات قال العلماء: منها صغرى ومنها كبرى أما الكبرى فلم يظهر منها شيءٌ على الصحيح أما الصغرى فقد ظَهَرَ جُلُّهَا بشكلٍ متسارع, وللهِ تعالى الحكمةُ البالغةُ فيما يقضي ويقدر, فلنستعرِض طَرَفَاً منها, سرعةُ الوقتِ وانقضاءُ الليالي والأيام علامَةٌ للساعةِ مُلفِتَة, يَقولُ النبيُّ r: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ, فَتَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَيَكُونَ الشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ أي كأسبوع, وَتَكُونَ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ, وَيَكُونَ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَتَكُونَ السَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ. والسَّعَفَةُ القطعةُ الصغيرةُ من جريدِ النَّخل, واحتراقُهَا سريعٌ جداً, فالأربع والعشرين ساعة تمر على العبد كلحظة دون أن يشعر بها, أو يُنجِزَ فِيهَا شيئاً.
عباد الله, كثرةُ فتنِ الشبهاتِ والشهواتِ في الأُمَّةِ من أشراط الساعة تبدأ الفتنة في شبهةٍ أو شهوة فينكرها الجميع العلماء والعامّة ثم يألَفُهَا العامّةُ وينكرُها العلماء, ثم يسكت عنها العلماء والعامَّة وينسونَ إنكارَ العُلمَاءِ الأولينَ لهَا, فتتمكن وتصبح أمراً عادياً مباحاً بل يُعَادَى مَنْ يُنكِرُهَا والسببُ: انتشارُها وإِلفُ النّاسِ لها وعدمُ إنكارِ قلوبِهِم لها, قَالَ حُذَيْفَةُ t: إِنَّ الْفِتْنَةَ إِذَا كَانَتْ عُرِضَتْ عَلَى الْقُلُوبِ, فَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ, وَأَيُّ قَلْبٍ لَمْ يُنْكِرْهَا نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، قال: ثُمَّ تَكُونُ فِتْنَةٌ فَتُعْرَضُ عَلَى الْقُلُوبِ، فَإِنْ أَنْكَرَهَا الَّذِي أَنْكَرَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، وَإِنْ لَمْ يُنْكِرْهَا الَّذِي لَمْ يُنْكِرْهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، قال: ثُمَّ تَكُونُ فِتْنَةٌ فَتُعْرَضُ عَلَى الْقُلُوبِ، فَإِنْ أَنْكَرَهَا الَّذِي أَنْكَرَهَا مَرَّتَيْنِ نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، وَاشْتَدَّ قلبُهُ وَصَفَا، فَلَمْ يَضُرَّهُ فِتْنَةٌ أَبَدًا، وَإِنْ لَمْ يُنْكِرْهَا الَّذِي لَمْ يُنْكِرْهَا فِي الْمَرَّتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فَاسْوَدَّ قَلْبُهُ كُلُّهُ، وَارْبَادَّ، ثُمَّ نُكِسَ, فَلَمْ يَعْرِفْ مَعْرُوفًا، وَلَمْ يُنْكِرْ مُنْكَرًا.
أيضاً كثرةُ الزلازل والهزاتِ الأرضية, وتتابُعَهَا من أشراطِ الساعة يَقولُ النَّبِيُّ r: لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الفِتَنُ, وَيُقْبَضَ العِلْمُ.
وَيُقْبَضَ العِلْمُ يفسرُهُ حديثَ عبدِالله بن عمرو وهو بقبض العلماء أي موتِهِم.
كثرةُ القتلِ وانتشارُهُ في الأرض من أشراطِ الساعة, يَقولُ النَّبِيُّ r: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِي أَيِّ شَيْءٍ قَتَلَ، يعني لماذا يقتلُ غيرَه؟ وَلَا يَدْرِي الْمَقْتُولُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ قُتِلَ؟ لا يدري ما سببُ قتلِهِ.
ومن أشراطِ الساعة أن الكاذبَ يُصدَّق, والصادقَ يُكذّب, والخائنَ الفاسق يؤتَمَن والمؤتَمَنَ الصالِحَ يُخوّن, قَالَ النَّبِيُّ r: تَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ, وفي رواية: وَتَشِيعُ فِيهَا الْفَاحِشَةُ, وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ, قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ.
والسَّفِيهُ هو الذي لا يؤبه به, ولا يؤبه برأيه, وقيل: هو الجاهل المتعالم, وقيل: هو الفاسق المفسد المدعي الإصلاح, فتراهم يتكلمون في قضايا الأُمَّة المصيرية. وما أكثرُهُم في زماننا نسأل الله العافية والسلامة. ومن أشراطِ الساعة أن يَعْلُو التُّحُوتُ, ويوضَعَ الْوُعُولَ, فالمُفْسِدُ يُكرَّمُ ويُحتَفَى بِهِ, والمُصْلِحُ يُهَانُ ويُعتَقَل, يُكرَّمُ الفسقة ويُهانُ الكرام، يُهَانُ الناصحون ويُذَمُّونَ ويُستَخَفُّ بِهِم وفي المقابل يُكرَّمُ الساقطون والساقطات والمفسدون والمفسدات, في زمن العجائب والمتناقضات.
عباد الله, وفيما يخص مكة شرفها الله, أُثِرَ عن بعضِ أصحابِ النبيّ r أنه رَأَى بُنْيَانًا عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ فَقَالَ: إِذَا رَأَيْتَ بُيُوتَ مَكَّةَ تَعْلُو أَخْشَبَيْهَا الْجَبَلَيْنِ المطلين على الكعبة وَجَرَى الْمَاءُ فِي طُرُقِهَا, فَخُذْ حِذْرَكَ. وفي رواية: فَقَدْ أَزِفَ الْأَمْرُ. يعني اقتربت الساعة. وفي رواية: فَاعْلَمْ أَنَّ الْأَمْرَ قَدْ أَظَلَّكَ. وفي السيرة: أنَّهُ لَمَّا هُدِمَ الْبَيْتُ الحرامُ وُجِدَ فِيهِ صَخْرَةٌ مَكْتُوبٌ فِيهَا: أَنَا اللَّهُ ذُو بَكَّةَ, صُغْتُهُ يَوْمَ صُغْتُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ, حَفَفْتُهُ بِسَبْعَةِ أَمْلَاكٍ حِلَقًا، بَارَكْتُ لِأَهْلِهِ فِي السَّمْنِ وَالسَّمِينِ، وفي لفظ: اللَّحْم وَاللَّبن, لَا يَزُولُ حَتَّى تَزُولَ الْأَخْشَبَانِ يَعْنِي الْجَبَلَيْنِ المطلين على الكعبة, وَأَوَّلُ مَنْ يَحِلُّهَا أَهْلُهَا.
هذه بعض أشراط الساعة الصغرى التي جاءت بها النصوصُ الشرعية, وما تركته أكثر مما ذكرته, فاللهم لا تأخذنا على غِرّة, اللهم إنا نعوذُ بك من فجاءة نقمتك, اللهم توفنا مسلمين, وألحقنا بالصلحين, ولا تردنا على أدبارنا خاسرين, ولا عن ديننا مفتونين ..
عباد الله, ليس المقصودُ مِنْ ذِكرِ هذِهِ العَلَاماتِ تَخويفَكُم وإرعابَكُم بل المقصودُ تنبيهُ الغافلين وإيقاظُ النائمين لكي لا يُفَاجَئُوا بهذِهِ الأمور العِظَام {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} هي للاتعاظِ والِاستعدادِ الصادِقِ, فَاللهَ اللهَ في الِإقبالِ على اللهِ, اللهَ اللهَ في التوبةِ النَصُوح, اللهَ اللهَ في العملِ الصالح, والبُعدِ عن مواطِنِ الفتن, ومراتِعِ اللهوِ والغفلة, ومنابِعِ الشَّرِ والفساد{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}.
نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يَلطُفَ بِنَا, وأن يعفُوَ عنَّا وأن يُقوّيَ إيمانَنَا ويُثبّتَ على دينِهِ قلوبَنَا حتى نلقاه ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق