الجمعة، 13 سبتمبر 2013

خطبة بـ عنوان: "الثقة بالله في زمن الفتن"

عباد الله, في طيات المحن تظهر المنح, وفي بواطن الفتنة تظهر النعمة, وبين ظلام الإرهاب والإرعاب والقهر الجسدي والنفسي, تظهر شوارقُ الإيمان وأنوارُ اليقين, فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا من هذه الأحداث التي تَمُرُّ بالأُمَّةِ وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ, ولذلك قال بعض الحكماء: رُبَّ أَمْرٍ تَتَّقِيهِ .. جَرَّ أَمْرًا تَرْتَضِيهِ .. خَفِيَ الْمَحْبُوبُ منه .. وَبَدَا المكروه فيه.
هل تعلمونَ متَى قَالَ النبيُّ r: مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنٍ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟ قَالَهَا والمشركون يُحاصِرُونَ الغار, والصدّيقُ t خائِفٌ يقول: يَا رَسُولَ اللَّهِ, لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا، فتظهَرُ في هذه الِمحنَةِ والكُرْبَة الثقةُ بالله, وبمعيتِهِ وبحفظِهِ وبنصرِهِ {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}.
هل تعلمونَ متَى قَالَ النبيُّ r والمؤمنون معه: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ؟ قالوها والمشركون قد جَمَعُوا العُدَّةَ والنَّاس, واقتربوا من المدينة, للإغارةِ على النبيّ وأصحابِه, وكان هذا بعدَ غزوةِ أُحُد بيوم, والمسلمونَ مَكلومون مُرهَقُون مَكروبون, فتظهَرُ في هذا الوقتِ العصيبِ الثقةُ باللهِ تعالى, وصدقُ الِاعتماد عليه، وحُسنُ التوكُّلِ عليه، وتفويضُ الأمورِ إليه, {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ. الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}.
عباد الله, هل تعلمونَ متى استبشرَ النبيُّ r بِفَتْحِ الشَّامِ, وفتحِ الفرس, وفتحِ اليمن قبلَ أن تُفتَحَ جميعاً؟ استبشَرَ النبيُّ r بفتحِهَا في أحلَكِ الظروفِ وأسوئِهَا, في غزوةِ الأحزاب, والمشركون يحاصرون المدينة من كل مكان, يَصِفُ اللهُ ذلك الموقِفَ فيَقولُ: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا. هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} في ذلك الموقف الحَرِج, تظهَرُ الثقةُ باللهِ وبنصرِهِ الموعود, فيَنَزِلُ النبيُّ r لِيَكسِرَ صَخرَةً في الخندقِ الذي أَمَرَ بحفرِهِ, فَقَالَ بعدَ الضربةِ الأولى: اللهُ أَكْبَرُ, أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ، وَاللهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ مِنْ مَكَانِي هَذَا. ثِقةً بنصرِ اللهِ له, ثُمَّ قَالَ بعدَ الضربةِ الثانية: اللهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ، وَاللهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ الْمَدَائِنَ، وَأُبْصِرُ قَصْرَهَا الْأَبْيَضَ مِنْ مَكَانِي هَذَا. ثُمَّ قَالَ بعدَ الضربةِ الثالثة: اللهُ أَكْبَرُ, أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ, وَاللهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي هَذَا. متى قالَهَا؟ في موطِنِ الشدَّةِ والضِّيقِ, على ماذا يدلُّنا هذا؟ يدلُّنَا على الثقةِ بالله في زمن المحنة, على الثقةِ بالله في وقتِ الفتنة, يَدلُّنَا على التفاؤلِ في زمنِ التشاؤم, يَدلُّنَا على التناصرِ في زمنِ التخاذل, يَدلُّنَا على رفعِ المعنويات في زمن الحربِ والِابتلاءات. وَهَذَا مَا نريدُهُ في زمانِنَا, زمنِ التكالب والتآمر والتخاذل, تكالب الأعداء على المسلمين, وتآمر الكفار وعملائهم على ضرب الإسلام وتشويه سمعة الإسلاميين المجاهدين, وتخاذل بعض المسلمين عن النصرة ولو بكلمة, في ظل هذه الظروفِ الحَرِجَةِ من تاريخِ الأُمَّة نريدُ إحياءَ شعورِ الثقة بالله وبمعيتِهِ وبنصرِهِ وبتأييده, وهذا من نصرنا لله تعالى {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}.
فَيَا مَنْ تُحِبُّ رسولَ الله, وتريدُ السيرَ عَلَى خُطَاه, أحيي في قلبك الثقةَ بالله, ولا يدخل قلبَك شَكٌّ ولا يَأسٌ ولا قُنوطٌ ولا خَوَرٌ ولا اِستسلامٌ ولا انهزام, {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} أي: لا تَهِنُوا ولا تَحزَنُوا أيها المؤمنون فإنَّ الإيمانَ يُوجِبُ قوةَ القلب، ومزيدَ الثقةِ بِهِ تعالى، وعدمَ المبالَاَةِ بأعدائِهِ. فلنَكُن جميعاً في أي موقفٍ وأزمَةٍ كَحَالِ صحابَةِ رسول الله r حين امتدحَهُمُ اللهُ تعَالى بقولِهِ: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}.
اللهم ارزقنا الثقة فيك, والتوكل عليك, وتفويض الأمور إليك, اللهم إنَّا نسألك إيماناً يباشر قلوبنا, ويقيناً صادقاً .. إلخ
عباد الله, يقولُ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ: ثَلَاثُ خِصَالٍ مِنْ صِفَةِ الْأَوْلِيَاءِ: الثِّقَةُ بِاللهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَالْغِنَى بِهِ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَالرُّجُوعُ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
هذه الصفات نُرِيدُهَا مِنكَ أيها المسلم الثِّقَةُ بِاللهِ، وَالْغِنَى بالله, وَالرُّجُوعُ إِلى الله, نُرِيدُهَا مِنكَ في كُلِّ الأوقاتِ خُصوصَاً في الفتنِ والأزَمَاتِ, فَلَاَ تَزيدُكَ أيُّ فتنةٍ أو أزمةٍ إلَّا ثِقةً بالله, وتوكُّلَاً عليه, واستغناءً بِهِ, ورجوعاً إليه, ولَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا بقول: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ, فهو ناصِرُ المؤمنين, ومُنجِي المستضعفين, وفارجُ هَمّ المهمومين, وقاهِرُ الظالِمين, ومبدّلُ المتآمرين والمُرجِفين. اللهم آمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق