عباد الله,
قُـــــمْ للمعلّـــــمِ ووَفّهِ التبجيــــلَا كَـادَ المُعلّمُ أَنْ يَكونَ رَسُولَا
أرأيتَ أفضَلَ أو أجَلَّ مِنْ الذي يَبنِي ويُنشِئُ أنفُسَاً وعُقُولاً؟
المعلمُ رسالتُهُ عظيمة, ودَورُهُ فَعَّال, هو أخٌ أكبر, وموجّهٌ, ومؤدّبٌ، جَذوَةٌ مُتَوَقِّدَةٌ للسالكين، ونَبْعٌ صَافِي للناهلين، أنا أتكلَّمُ عن المعلمينَ المُخلصين الأمناء, الذين يخافونَ اللهَ في أداءِ عَمَلِهِم ومِهنَتِهِم, هؤلاء, الأدبُ معهم, واحترامُهُم, وإكرامُهُم, مطلَبٌ شرعيٌّ وعقلي. لكن للأسف ظهَرَت في الآونةِ الأخيرةِ سلوكياتٌ تُنمِي عن انهيارٍ أخلاقي, وانهيارٍ سلوكي, في التعامل مع المعلمين.
أولاً لابُدَّ أن تعلموا أنَّ العلمَ والأدبَ توأمانِ مُتلازِمَانِ لا يَنفكّان أبداً, وإذا اختَلَّ مَا بينَهُمَا, وأَفلَسَت أخلاقُ الطلابِ مع معلميهم, فقولوا على التعليم وعلى مُخرَجَاتِهِ السَّلَام, فَلَاَ يُرجَى خيرُهُم وَلَاَ يُؤمَنُ شرُّهُم. خذوا أمثلةً على بعضِ السلوكياتِ السلبيةِ في مدارِسِنَا, ونحن نذكرُها من بابِ بيانِ الشرّ ليُتقى ويُترَك ويُجتنب:
هُنَاكَ طُلّاباً يَشرَبُونَ الدخانَ أمامَ المعلمين ولا يُبَالون, هل هَذَا من الأدب؟يقولُ المُرادي الربيعُ بنُ سليمان راوي كُتُبِ الشافعي: واللهِ مَا جَرُئْتُ أن أشرَبَ الماءَ والشافعيُّ ينظُرُ إليَّ. احتراماً وأدباً لمعلمِهِ وأستاذِهِ, فكيف بِمَنْ يشرَبُ خبيثاً مُحَرَّماً؟
هُنَاكَ طُلّاباً داخِلَ صَفّ الدراسة يتضاحكون ويسخرون وترتفع أصواتُهُم ويلعبون بأجهزتِهِم وجوالاتِهِم والمعلم بينَهُم ولا يأبهونَ به ولا يَهتمُّون له, قَالَ الشافعي: كنتُ أقرأُ الموطأ على الإمامِ مالك فأصْفَحُ الورقَ صفحاً رقيقاً هيبةً له ألا يَسمَعَ صوتَه. أدباً وإجلاَلاً.
هُنَاكَ مَنْ يُجادِلُ مُعلّمَهُ ويُقَارِعُهُ ولا يَدعُه يُكمِلُ درسَهُ تشويشاً وتضيعاً للوقت فَلَا يخرَجُ بفائدة بل قَلَّلَ أدبَه, وأطال لسانَه, وسَفَّهَ أستاذَه, وأهانَ قدرَهُ أمامَ زملائِهِ. ورَحِمَ اللهُ الشافعيَّ الذي رَفَضَ مناظرةَ محمدَ بنِ الحسنِ الشيباني, هل تعلمونَ لِمَاذا؟ قال: إنِّي أُجِلُّكَ عن المناظرة. أي: لأنَّكَ معلمي وأستاذي، وأنت أرفعُ مِنْ أن يُنَاظِرَكَ مثلي. مع أنَّ الحقَّ مع الشافعي, لكنَّهُ الأدبُ الذي يُفتقَدُ هَذَا الزمن.
هُنَاكَ مَنْ يتطاوَلُ بلسانِهِ على المعلمين لَمزَاً وهَمْزَاً وشَتماً وتهديداً بالإيذاءِ بل يتطاوَلُ بيدِهِ اعتداءً وتعدّيَاً عَلَى سياراتِهِم وممتلكاتِهِم, بل تعجبوا إذا وَصَلَ الأمرُ إلى الِاعتداءِ على أشخاصِهِم بالضربِ والإهانةِ والإذلال ثم سمعنا عن القتلِ المُتَعَمَّد.
سلوكياتٌ دخيلةٌ على مجتمَعِنَا, ولا ندرِي مَا سببُهَا؟
أهو المنزلُ والتربيةُ وانعدامُ غرسِ ثقافةِ احترامِ المعلمِ من البيت؟ ربما.
أهي الجهةُ المسئولةُ عن المعلمين والتي نزَعَت منهم كُلَّ الصلاحيات, وسَلَبتهُم حقوقَهُم, وكسَّرَت مَجَادِيفَهُم فَلَاَ يَملِكُونَ لأنفسِهِم أمامَ الطلابِ لا حولاً ولا قوةً؟ لعله.
أهو في قراراتِ مَنْعِ الضربِ في المدارسِ والِاكتفاءِ بحَسمِ الدرجاتِ والتأنيبِ اللفظي؟ قد يكون.
أهو في شخصيَّةِ بعضِ المعلمين والذين للأسف أساءوا لمهنةِ التعليم ولرسالةِ المعلم, فتراهم يَنزِلُونَ إلى مستوى الطلابِ في سلوكياتِهِم حتى حدثني من أثِقُ فيه وفي علمِهِ أنَّ بعضَ المعلمين يجلسُ مع بعضِ طُلابِهِ الذينَ يُدرسُهُم صباحاً, يجلِسُ معهم مساءً في المقاهي يلعبون الوَرَق, ويَسمرونَ على منكراتِ الفضائيات إلى قبيلَ الفجر, فماذا أبقى هؤلاء المعلمون من شخصياتِهِم حتى تُحترَم؟ رَحِمَ اللهُ زماناً كان للمعلم هيبةٌ يُرَى أثرُها إذا مَرَّ في طريقٍ أو حَضَرَ مجلساً أو مناسبة, كان لَهُم أثرٌ, وأيُّ أثر؟ وكانَ لَهُم احترامٌ, وأيُّ احترام؟ وكان لَهُم تقديرٌ, وأيُّ تقدير؟
ألا فليَكُن لَكُم ياعباد الله دورٌ في إحياءِ ثقافَةِ احترامِ المعلم, وإفهامُ الِابنِ أنَّ نجاحَكَ الحقيقيَّ يَكونُ في احترامِكَ لِمُعَلِّمِكَ ورعايةِ حُرمَتِهِ, وإخفاقَكَ وفَشَلَك في سوءِ أدبِكَ معَه, كان للحافِظِ ابنِ حَجَر شارحِ صحيحِ البخاري شيخٌ يُسمَّى الحافِظُ العراقي كَانَ إذَا أرادَ ابنُ حجر أن يسألَهُ مسألةً يَقِفُ بينَ يديه ويَقول: ما يقول سيدي في كذا وكذا. أدباً واحتراماً.
هذه الآدابُ تُحكَى لتُحَاكَى, لا نقولُها كأخبارٍ مَضَت مع أصحابِهَا, كلَّا, الموفَّقُ مِنَّا مَنْ يُرَبّي أبنائَهُ على توقيرِ المعلمِ واحترامِهِ, وتقديرِهِ.
نسأل الله تعالى أن يرزقَنا وإياكم وأبنائَنا الأدبَ مع المعلمين والمربين, وأن يجعل أبنائَنَا مفاتيحَ للخير مغاليقَ للشر, صالِحينَ مُصلحينَ, نافعينَ لدينهم وأمتهم ..
عباد الله, علِّمُوا أولادَكُم أنَّ خضوعَهُم للمعلمِ فَخْرٌ, وتواضُعَهم له رِفعةٌ, وأدبَهُم معَه شَرَفٌ, وذُلَّهُم له عِزٌّ, وصبرَهُم على تأديبِهِ وتأنيبِهِ أبقَى وأنفَع.
قال الإمامُ الشافعيُّ رحمه الله:
اِصبِرْ عَلَى مُرِّ الْجَـــفَا مِنْ مُعَلّـمٍ فإنَّ رُسوبَ العلــمِ فِي نَفَرَاتِهِ
مَنْ لَم يَذُقْ مُرَّ التعلُّمِ سَاعـــــةً تَجرَّعَ ذُلَّ الجهْلِ طُولَ حَيَاتِهِ
شُعْبَةُ بنُ الحَجَّاجِ الإمامُ الكبيرُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ كَانَ يقول: مَنْ سَمِعْتُ مِنْهُ حَدِيثًا فَأَنَا لَهُ عَبْدٌ.
كَمَا قيل: مَنْ عَلَّمَنِي حَرفاً صِرْتُ لَهُ عَبدَاً. أي في الِاعترافِ بالفضلِ والخدمة.
فكيفَ تعامُلُ أبنائِنَا مع معلميهم وأصحابِ الفضلِ عليهم؟
لنكن جميعاً مِمَّن{يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق