الجمعة، 12 يوليو 2013

خطبة بـ عنوان: "شهر النفحات"

عباد الله, لِلَّهِ U فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٌ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ, وإن من أعظم تلك النفحات هذا الشهرَ الكريم, فهو بحق شهرُ النفحات, شهرٌ تفيضُ فيه بحارُ الرحمات, وتُستنزَلُ فيه البركات, وتظهرُ فيه التجليات, وتُستجَبُ فيهِ الدعوات, وتُوزَّعُ فيه العطايا والهبات, وحسبُكُم أنَّ أولَه رحمه, وأوسطَه مغفرة, وآخرَه عتق من النار, فاحمِدُوا اللهَ على بلوغه فغيرُكُم تحت أطباق الثرى يتحسرونَ ندماً أن لو عاشوا لإدراكِ يوم واحد من رمضان, احمدوا الله على بلوغه فغيرُكُم على الأسرة البيضاء في المصحات يتمنون أن لو صاموا كما تصومون, وقاموا كما تقومون, لكن قد حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ. هَا وقد بلغكم الله رمضان وأنتم في صحةٍ وعافية فماذا أنتم فاعلون؟
تعرضوا لنفحات الله في شهرِكُم فإنه شهرُ النفحات.
في رمضان تَكسِبُونَ حسناتٍ لا حَدَّ لهَا ولا عَدَّ, بأدائكم لعبادة الصوم, يَقُولُ اللَّهُ U: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ. أَنَا أَجْزِي بِهِ, ما حدد أجراً, أبهم الأجرَ للدِلالة على عِظَمِ الجزاء, فتعرضوا لهذه النفحةِ. في رمضان تتعالَجُ نفوسُكُم بالصوم فتصفو مشاعِرُكُم, وتَرِقُّ قلوبُكُم, وتُصَانُ جَوَارِحُكُم بعدَ عامٍ مضني من صراعِ الإنسان مع نفسه وشيطانه ونزواته وشهواته. فتعرضوا لهذه النفحةِ. في رمضان تتعالَجُ أرواحُكُم وأجسادُكُم بصلاةِ القيام وسماعِ القرآن. فتعرضوا لهذه النفحةِ. في رمضان تتحقق رغباتُكم بسببِ دَعَوَاتِكم طيلةَ صومِكُم وفي لحظةِ إفطارِكِم وفي سجودِكِم وفي وِترِكُم فتعرضوا لهذه النفحةِ. في رمضان تتخفف صحائفكم فيغفر الله ما فيها من ذنوبٍ وسيئات, فتعرضوا لهذه النفحةِ. في رمضان تُعتَقُ رِقَابُكُم من النار في كل ليلة عندَ لحظة فِطرِكُم. فتعرضوا لهذه النفحةِ. في رمضان تُكتَبُ أسماؤُكُم للدخولِ من بابِ الريان بابِ الصائمين لا يدخل منه غيرُهُم. فتعرضوا لهذه النفحةِ. في رمضان أشرفُ ليالي العام, وفيها أشرفُها ورأسُها وتاجُها وأمُّها, ليلةٌ خير من ألف شهر, من حُرِمَ خيرَها فقد حُرِم. فتعرضوا لهذه النفحةِ. كل هذه نفحاتٌ ربانية من ربٍّ كريم في شهرٍ كريم.
رمضانُ ما أحلَى لِقـَـــــــا رمضـــان           شهــرُ الهــدى والعفوِ والغفرانِ
رمضانُ إنَّكَ للقلوبِ سكينـــــــــةٌ           ومنـــــــارةٌ للتائـِــهِ الحيــــــــرانِ
كَمْ في رِحَابِك رحمةٌ ومــــــــــــودةٌ           كَم في لياليكَ الحِسَـانِ معانـِــــي
صَفَت النفوسُ فليسَ أيُّ مكدِّرٍ          وسَمَت عَلَى الأحقادِ والأضغـــانِ
لا ظَالـــــــمٌ فيه ولا متكبــــــــــرٌ          وغنيُّهُــــم وفقيــــــــــرُهُم سِيَّــــانِ
ما أسعدَ الإنسانَ في أيامِـــــــــهِ          فكأنَّهُ في جَنَّةِ الرضــــــــــــــوانِ
ألا فَأَرُوا اللَّهَ تعالى مِنْ أَنْفُسَكُمْ خَيْرًا في هذا الشهر, واحذروا الغفلة فَإِنَّ الشَّقِيَّ حقيقةً مَنْ لَم يتعرَّض لنفحاتِ اللهِ في رمضان, وَنفحاتُهُ لا تُصيبُ إلا القلوبَ المتيقظة وتُحظىء القلوبَ الغافلة. فلَاَ تَمُرُّ عليكم لحظة في هذا الشهر إلا وتعمروها بآياتٍ تتلونها, أو دعواتٍ ترفعونها, أو دَمَعَاتٍ تَذرِفونها, وأبشروا بخيري الدنيا والآخرة.
اللهم كما بلغتنا شهر رمضان ..
عباد الله, شهرُ رمضان شهرُ الصوم وشهرُ رمضان أنزل فيه القرآن فالصوم والقرآن متلازمان في هذا الشهر, فإن أشغلتَ بهِمَا وقتك يا أخي في رمضان صومٌ وقرآن شفعا لك عند الله, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ, فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ, قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ. أي يُشفِّعُهُمَا اللهُ فيه ويُدخلُهُ الجنة.
ذَكَرَ بعضُ السلفِ أنه يوضع للصوَّامِ يومَ الحسابِ مائدةٌ يأكلونَ عليها والناسُ في الحساب فيقولُ النَّاس: يا رب نحن نحاسَبُ وهم يأكلون فيُقَالُ: إنَّهُم طالَمَا صاموا وأفطرتُم, وقاموا ونِمتُم. جمعوا بين الشرفين الصيام والقيام, فنالوا هذه الكرامة. قال بعض السلف: تجوَّع بالنهار, يعني صُم, وقُمْ بالأسحار, يعني بالقرآن, تَرَ عَجَبَاً من الملكِ الجبّار.
فاشحذوا هِمَمَكُم في شهرِكُم, وقووا عزائِمَكُم في لياليه, واستعينوا باللهِ ولا تعجزوا, وأبشروا بفضلِ اللهِ وعفوهِ ومغفرتِهِ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق