السبت، 26 أبريل 2014

خطبة بـ عنوان: "المسلم الحق"

عباد الله, ولأنَّ دينَنَا الإسلامَ دينُ مبادئ وقِيَم, ودينُ تعامُلٍ راقي, ومَنهجٍ كامِل, فإنَّ رَسُولَ الهدى r قَالَ في الحديثِ الصحيح: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ».
تأملوا, كاملُ الإيمان حقيقةً هو ذاك الرجل, الذي أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ, أَمِنُوهُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ, فهو صادقٌ أمين, اتَّصَفَ بِمَا اتَّصَفَ بِهِ الرسولُ الكريمُ r من صدقٍ, حُفِظَت بِهِ الدماء, وأمانَةٍ حُفِظَت بِهَا الأموال, وهكذا المؤمنُ في مجتمعِهِ صادقٌ أمين. وكَامِلُ الإسلامِ حقيقةً هو ذاك الرجل, الذي سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ. سَلِمُوا مِنْ لِسَانِهِ, فلا يتكلَّمُ في أحد, ولا يَكذِبُ على أحد, ولا يَنُمّ, ولَا يَغتَب أحدا, ولا يبْهَتُ أحداً, ولا يَشْمَت بأحد, ولا يوشِي بأحد, سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ, وسَلِموا مِنْ يَدِهِ كذلك, فلا يُؤذ بيدِهِ أحدا, ولا يتجسس على أحد, ولا يتتبع العورات, ويتصيَّد الزلَّات, ويُشنّع بالهَفَوَات, سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ يَدِهِ, فَلَا يرتشي, ولا يرابي بأموال الناس, ولا يشهد الزور, ولا يُعَطِّلُ مصالِحَ المسلمين, ولا يستضعِف أحدا فيعتدي عليه, ولا يكون سبباً مباشراً أو غيرَ مباشِرٍ في أذيَّةِ المسلمين, بأيِّ أنواعِ الأذى, قَلَّ أو كَثُرَ, صَغُرَ أو كَبُرَ.
هذا هو مقياسُ كمال الإسلام من نقصانِهِ, فالمسلم إسلاماً كاملاً تَعْرِفُهُ في منهج تعاملِه, تَعْرِفُهُ في أخلاقِه, تَعْرِفُهُ في سلوكِه, تَعْرِفُهُ في مبادئِه, تَعْرِفُهُ في قِيَمِهِ, تَعْرِفُهُ في أفعالِه, في أقوالِه, في أحوالِه مع إخوانِهِ المسلمين, قيل: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْمُسْلِمِينَ أَسْلَمُ؟ قَالَ: «مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ». ولذلك فَلَا يُقَاسُ إسلامُ الرجلِ الحقيقيّ, ولا إيمانُهُ الكامل, بِعمْقِ تَديُّنِهِ, ولا بكثرةِ صلاتِهِ وعبادته, ولا بكثرةِ ركوعِهِ وسجودِهِ, ولا بكثرةِ علمِه, ولا بكثرةِ تَخَشُّعِهِ, ولا بكثرةِ بكائه, ولا بكثرةِ دعائِهِ, إن مظاهرَ التدينِ والعبادة في المسجد وغيرِهِ لابد أن يكون لها أثرٌ على سلوكِ العابِدِ وأخلاقِهِ, وإلَّاَ فَمَا فائدةُ كثرةِ الصلاةِ إذا لَم تَنهَه عن الفحشاءِ والمنكر؟ ما فائدةُ كثرةِ تَردُّدِهِ على المسجد إذَا لَم تُغيِّر في سلوكِهِ وتعاملاتِهِ؟ ما فائدةُ كثرةِ علمِهِ وروايتِهِ إذا لَم يَعمَل بِمَا يَعلَم؟ ويوافِق قولَهُ فِعلُهُ؟ أمانةً وصدقاً وخُلُقَاً, قيل: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْمَلُ إِيمَانًا؟ قَالَ: «أَحْسَنُهُمْ أَخْلَاقًا».
إسلامُكَ الحقيقيُّ أخي في الله, يُقاس بِحُسْنِ معامَلَتِك مع الناس, فَنَرَاكَ صادقاً, أميناً, ناصِحَاً, نَقِيَّ السريرة, صَالِحَ السيرة, صَافِيَ القلب تُحِبُّ لإخوانِكَ من الخيرِ مَا تُحبُّهُ لنفسِك, وتَكرَهُ عليهم من الشَّر مَا لا تَرضَاهُ عَلَى نفسِك, مَحبوباً, مقبولاً, مألوفاً, كَمَا قَالَ النَّبِيُّ r: الْمُؤْمِنُ يَأْلَفُ وَيُؤْلَفُ وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ وَلَا يُؤْلَفُ وَخَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ.
قَالَ الْحَسَنُ: أَيُّهَا النَّاسُ, إِنْ سَرَّكُمْ أَنْ تَسْلَمُوا وَيَسْلَمَ لَكُمْ دِينُكُمْ, فَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ عَنْ دِمَاءِ النَّاسِ, وَكُفُّوا أَلْسِنَتَكُمْ عَنْ أَعْرَاضِهِمْ, وَكُفُّوا بُطُونَكُمْ عَن أَمْوَالِهِم.
فاتقوا الله عباد الله, وسَلِّمُوا المسلمينَ مِنْ أيديكم وألسنَتِكُم وبطونِكُم, وتَرجِمُوا دينَكُم وإسلامَكُم وتَعَبُّدَكُم للهِ, أخلاقاً عاليه, وآداباً سامية, وتعامُلاً راقيا, وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا, قلوبُكُم مُتَآلِفَة, وأرواحُكُم متوالِفَة. اللهم ألِّف بينَ قلوبنا, وأصلِح ذاتَ بيننا, واهدنا سُبُلَ السّلام, وأخرجنا من الظلماتِ إلى النور, وجنبنا الفواحِشَ والفِتَن .. إلَخ
عباد الله, للأسف أُمَمُ العالَمِ صَارَت تنظُرُ للمسلمينَ على أنَّهُم متأخرونَ, أصحابُ مطامِعَ وأهواء ليسَ بينهم تراحُم, ولا تعاون, ولا تآلُف, مُتَخَلِّفونَ, مُتنافرون, مُتباغِضُون, مُتَفَرِّقون, يأكُلُ بعضُهُم بعضاً, ويَسْرِقُ بعضُهُم بعضاً, ولا يأمَنُ بعضُهُم على بَعض, ولا يَسلَمُ بعضُهُم من بعض, لِمَاذَا هذه النظرة؟ بسببِ تَصَرُّفِ بعضِ المسلمين, المسلمون ومع كونِهِم يحملونَ رسالةَ الإسلام, وهم سفراؤُهُ, وهم خيرُ مَنْ يُمثِّلُهُ, إلا أنَّك ترى في تعامُلِ البعضِ منهم إساءاتٍ وحَمَاقاتٍ وإخفافاتٍ وخياناتٍ وسرقات في واقع حياتِهِم مع بعضِهِم, فكانَت سبباً لاتهامِ الِإسلامِ كُلِّهِ, وسبباً في اتهامِ المسلمين فيُسيءُ جَهْلُ واحِدٍ لِأُمَّة, ولدينِ اللهِ الذي ارتضَاه, مع أنَّ اللهَ تعالى قَالَ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ}, وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} أي عَدْلًا خِيَاراً, فهل نَعِي هذه التزكيةَ الربانيَّةَ بالعدالَةِ والخيّريَّةِ؟ وهل نعمَلُ على المحافظةِ عليها ونشرِها وتطبيقِهَا في سُلوكِنَا, صيانةً لهَا وتعزيزاً وترسيخاً؟ هذا ما نرجوه.
ثُمَّ صَلُّوا وسَلِّمُوا رحمكم الله ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق