الجمعة، 16 أغسطس 2013

خطبة عيد الفطر المبارك 1434هـ

نحمدُ اللهَ تعالى حَمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه على ما مَنَّ به علينا وتفضَّل.
مَدَّ في أعمارِنا, فصُمنَا شهرَنا, وأخرجَنا زكاتَنَا, وحضَرنا عيدَنا, ووسَّع في أرزاقِنا, فوسّعنا على أنفسِنا وأولادِنا, وأصحَّ أبدانَنا, وأمَّنَنا في أوطانِنا.
فَلَهُ حمدُنا وشكرُنا وتوحيدُنا, وله ثناؤُنَا وتسبيحُنَا وتمجيدُنَا. الله أكبر (تسع مرات) الله أكبر كبيراً، والحمدُ لله كثيراً، وسبحانَ الله بكرةً وأصيلاً, سبحانَ موجِدِ الأشياء, وفاطِرِ السماء، سبحانَ الفعّالِ لِمّا يَشاء، سبحانَ سامِعِ الأصوات، باعِثِ الأموات، ومُصَرِّفِ الأوقات، ومُيسِّرِ الأقوات، سبحانَ العالِمِ بِمَا مَضَى وما هو آت.
عباد الله, تنفَّسَ الصُبحُ, وأشرَقَت الشَمسُ, على يومٍ عَظِيمٍ وَعِيدٍ كَرِيمٍ, يومِ عيدِ الفطرِ المبارك, فيهِ تفرحونَ أن أديتم ركناً من أركانِ الإسلام, صيامِ شهرِ رمضان, ثم جِئتُم فيهِ إِلى بيتِ اللهِ تُكَبِّرُونَ اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُم، وأصبحتم تَحمَدُونَ المَولى عَلَى مَا وَهَبَكُم وَآتَاكُم {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}.
فيومُكُم يومُ الفرحِ والذكر, ويومُ السرورِ والبِشر, ويومُ التكبيرِ والشكر.
الله اكبر، الله اكبر، الله أكبر, لا اله إلا الله، والله اكبر ، الله اكبر ، والحمد لله
عباد الله, العيدُ توقيتٌ صنعَهُ اللهُ لنا, لكنَّ شعورَ الفرحةِ به نحنُ مَنْ نَصنَعُهُ, فرحةُ العيدِ لن يتذوَّقَهَا حَقَّ مَذَاقِهَا إلَّا الطائعون الذين صاموا وقاموا ودعوا وتصدقوا إيماناً واحتساباً, وأنا أريدُ لهؤلاء الفائزين بفضلِ اللهِ أن يَكونَ عَيدُهُم عيدين, وفَرحتُهُم فرحتين, لماذا؟ لأنَّ الفرحةَ الحقيقيةَ في أيامِ العيد إنما تُقَاسُ بما نُقدِّمُهُ من إنجازاتٍ وأعمالٍ وتضحيات, فاسمحوا لي أن أدلُّكُم عَلَى أعمالٍ, تُضَاعِفُ فَرحَتَكُم في العيدِ بل ويَتَضَاعَفُ معهَا أجرُكُم:
أولاً: تذكروا أخوانَكُم الذين يأتي عليهم هذا اليوم وقد مُزِجَت فرحتُهُ بالآلام والأحزان, فحياتُهم مُثخَنَةٌ بِالجراح, بلادٌ تعاني ويلاتِ الحروب, وبلادٌ تعاني ويلاتِ الفقرِ والقتلِ والاضطهاد, وبلادٌ تعاني فتنةَ الانقساماتِ والانشقاقات, يا تُرَى أيُّ عيدٍ يَعيشُهُ مَن هُم تحتَ القصفِ والحِصَارِ ليلَ نهار؟ أيُّ عيدٍ يَعيشُهُ أخوانُنا اللاجئونَ المشردون في المخيمات؟ أيُّ عيدٍ يَعيشُهُ مَنْ ابتُلوا في دينِهِم وضُيّقَ عليهم في أرزاقِهِم؟
عَظُمَ البلاءُ ولا مُغيثَ لشامِنَا      رَبـي أنتَ المُرتَجَــــى لبلائِـنَا
كُلُّ جُــــــــرحٍ سَوفَ يَبـــــرأ       فَامتَطِــــــي يـــا شامُ صَبـرا
أهلَنَا فِي الشـــــــــــــامِ صَبرا        إنَّ بعدَ العُســــــــرِ يُسْـرَا
أهلَنَا فِي الشـــــــــــامِ صبرا        إنَّ بعدَ الصَبــــــــــرِ نَصْـرَا
حتى تكونَ فرحتُنا فرحتين اِجعلوا جزءًا من يومِكُم هذا في دعمِ إخوانِكم بدعائِكم, بالسؤالِ عن أحوالِهِم, بنشرِ أخبارِهِم, بدعمِهِم بالمالِ والمعونات, بإحياءِ شعورِ النصرةِ لَهم, وثِقُوا أنَّكُم بذلك تفرحونَ فرحتين: فرحةَ العيد, وفرحةَ المواساةِ يومَ العيد.
الله اكبر ، الله اكبر ، لا اله إلا الله ، والله اكبر ، الله اكبر ، والحمد لله
ثانياً: حتى يكونَ عيدُكم عيدين صِلُوا أهلَ ودِّ أبيكم, مَنْ كَانَ والدُك يُحِبُّ زيارتَه, ويتواصَلُ معَه, ويَصِلُهُ بِبِرِّهِ وإحسانِهِ, صِلهُ أنتَ في هذا اليوم, وبِرَّهُ في هذا اليوم, وأكرِمْهُ, وهنّئهُ بالعيد, لِتفرَحَ فرحتين: فرحةَ العيد, وفرحةَ إرضاءِ والديك, وبرِّهِمَا بعدَ موتِهِمَا.
عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ t قَالَ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصِلَ أَبَاهُ فِي قَبْرِهِ، فَلْيَصِلْ إِخْوَانَ أَبِيهِ مِنْ بَعْدِهِ. وَعَن عبدِالله بنِ دِينَار عَن عبدِالله بنِ عمر y أَنَّ رجلاً من الْأَعْرَاب لَقِيَهُ بطرِيقِ مَكَّة فَسلَّمَ عَلَيْهِ ابنُ عمر وَحملَهُ على حمَارٍ يَركبُهُ وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَت عَلَى رَأسِهِ, قَالَ ابْنُ دِينَار فَقُلْنَا لَهُ: أصلحَكَ اللهُ إنهم الْأَعْرَاب وهُم يَرضونَ باليسير, فَقَالَ عبدُالله بنُ عمر: إِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وِدّاً لعمرَ بنِ الْخطاب وَإِنِّي سَمِعت النبيَّ r يَقُول: إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِ صِلَةَ الْوَلَدِ أهلَ وِدِّ أَبِيه. الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر كبيراً
ثالثاً: حتى يكونَ عيدُكم عيدين, فَكَمَا طهَّرتُم في هذا اليوم أبدانَكم وأثوابَكُم فطهروا سرائرَكم وقلوبَكم على إخوانِكم, العيدُ فرصةٌ لتتصافَحَ الأيدي المتقاطِعة وتتلاقَى الوجوهُ المُتدابرة, وتتصافى القلوبُ المُتنافِرة, رَحِمَ اللهُ قلباً تطهَّر اليوم, رَحِمَ اللهُ نفساً عفّت وسامَحت, رَحِمَ اللهُ يداً للمصافحةِ والمسامحة بادَرَت, العيدُ فرصةٌ لإقالةِ العثرات, والعفوِ عن الزلات, ونسيانِ الهفوات, لننسَى في هذا اليوم كُلَّ خصومةٍ أو نزاعٍ أو زَعَل, ولنبدأ صفحةً جديدةً من العلاقةِ الحميمةِ في الله, بهذا تكونُ فرحتُكُم اليوم فرحتين: فرحةَ العيد, وفرحةَ رضا الله عنك أيها المُسامِحُ, المتنازِلُ عن حقّك.
رابعاً: وحتى يكونَ عيدُكم عيدين, وسّعُوا في هذا اليومِ على أهليكم وأولادِكم فِي غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا مَخِيلَةٍ, واجعلوهُ يوماً مختلفاً أدخِلُوا فيهِ السرورَ عليهم بما أباحَهُ اللهُ سماعاً ورؤيةً من اللهوِ المباح, ففي عهدِ النبوة, وفي يومِ عيدٍ كَانَتِ الْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِم بينَ يدي رَسُولِ اللَّهِ r ويَتَكَلَّمُونَ بِكَلَامٍ لَا يَفْهَمْهُ, فَقَالَ r: مَا يَقُولُونَ؟ قَالُوا: يقولون: مُحَمَّدٌ عَبدٌ صَالِح. فَقَالَ r لعائشة: تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ؟ قالت: نَعَمْ فأقامَهَا ورائَهُ يَستُرُهَا وَوَضَعَتْ رَأْسَهَا عَلَى مَنْكِبِهِ تَنظُرُ لَهم, وَهُوَ يَقُولُ: دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ. تقولُ عَائِشَةُ: فَلَمْ أَحْفَظْ مِنْ قَوْلِهِمْ غَيْرَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ: أَبُو الْقَاسِمِ طَيِّبٌ, أَبُو الْقَاسِمِ طَيِّبٌ r, بَقيت تُشَاهِدُهُم حتّى مَلَّت ثم انصرفت, وما تحرَّكَ رسولُ اللهِ r حتى لا يُضايِقَهَا. دُعَابةٌ وخِفّةٌ وحُسنُ عِشرَة r, وفي يومِ عيدٍ أيضاً أَذِنَ النبيُّ r لِجَارِيَتَينِ صغيرتين مِنْ الْأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ وتَضرِبَانِ بالدف في بيتِ عائشة, فَدَخَلَ أَبُوها الصّديقُ فَانْتَهَرَهُمَا, قَالَ: أَمِزْمَارُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ؟ وكان r مُضْطَجِعَاً مُسَجًّى بِثَوْبِهِ, قد حَوَّلَ وَجْهَهُ إلى الجدار, فلَمَّا أنكَرَ أبوبكر عليهمَا كَشَفَ رَسُولُ اللهِ r عن وجهِهِ الثوب, وَقَالَ: دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ, فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ.
الله اكبر ، الله اكبر ، لا اله إلا الله ، والله اكبر ، الله اكبر ، والحمد لله
خامساً: وحتى تكونَ فرحتُكُم اليوم فرحتين, وأجرُكُم عند الله أجرين, طهروُهُ من المخالفاتِ الشرعية, والمنكراتِ القولية والفعلية, اِعزموا العقدَ وبيّتُوا النيةَ, على عدمِ معصيةِ اللهِ خلالَ الأيامِ القادمةِ أيامِ اللهوِ والفرح, فقد قَالَ بعضُ السلف: مَنْ صَامَ رمضانَ, وهو يُحدِّثُ نفسَهُ إذَا أَفطَرَ بعدَ رمضان عَصَى ربَّه فصِيَامُهُ عليهِ مردُود. ومن صامَ رمضان، وهو يُحدِّثُ نفسَهُ إذَا أفطَرَ بعدَ رمضان أن لا يَعصِيَ اللهَ دَخَلَ الجنةَ بغيرِ حسابٍ ولا مسألة.
لقد عِشتُم أجواءَ الإيمانِ في شهرِ رمضان, فإياكم في العيدِ وطاعةَ الشيطان.
فليسَ العيدُ لِمَنْ لَبِسَ الجديد، وهو من طاعةِ رَبهِ بعيد, ليسَ العيدُ لِمَنْ تجمَّلَ باللباسِ والمركوب، وهو منغمسٌ في المعاصي والذنوب. ليس العيدُ لِمَنْ حاز الدرهمَ والدينار ونهارُهُ وليلُهُ يتحمَّلُ فيهما الأوزار. العيد حقيقية لِمَن أطاعَ اللهَ المجيد, وخافَ يومَ الوعيد, ولَم تُلهِهِ فرحةُ العيدِ عن الاستقامةِ للهِ يومَ العيد قَالَ عَلِيُّ t: العيدُ لِمَنْ قَبِلَ اللهُ صومَه, وغَفَرَ ذنبَه, وكُلُّ يومٍ لا نَعصِ اللهَ فيهِ فهو عِيد.
سادساً: وحتى تكونَ فرحتُكُم فرحتين زُوروا أقارِبَكم, وجيرَانَكم, وصِلُوا أرحَامَكم, تصافحوا, تآلفوا, تبادلوا التهاني, قولوا لبعضِكُم: تقبل الله منَّا ومنكم, وأعادَهُ عليكم.
زُوْرُوْا أَقَارِبَكُمْ زُوْرُوْا أَحِبَّتَــــــــكُمْ        تَبَادَلُوْا صَفْــوَ كَأْسٍ طَابَ رَيَّاهُ
فَالْعِيْدُ رَوْضٌ مِنَ التَّحْنَانِ يَبْعَثُهُ        أَهْلُ الصَّفَاءِ وَعَيْنُ الْحُبِّ تَرْعَاهُ
بهذه الأعمالِ يكونُ عيدُكُم هذا عيدين, وفرحتُكُم فرحتين.
أسألُ اللهَ العظيمَ في هذه الساعة أن يجعلَ أيامَنا وأيامَكم كُلَّهَا فَرحٌ وسعادة, وأن يبسُطَ لنا ولكم من الخيرِ وزيادة, ويبارِكَ لنا ولكم في الكتابِ والسنّة، ويُعظِمَ لنَا ولَكُم النعمةَ والمِنَّة، ويَرزُقَنَا جَميعاً الفردوسَ الأعلَى من الجنَّة. أقولُ قولي هذا ..
الله أكبر كبيراً, والحمد لله كثيراً, وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.
ونداءٌ للمرأةِ المسلمة: أيتها المباركة, كنتِ في شهرِ الخيرِ والبركة, صُمتي وقمُتي, وتَصدقتي وصَليتي, وتَلوتي وذَكرتي, فلا تُفسدي ما صَنعتي, وتُشتّتي ما جمعتي, اِحذري أن تكوني مبعثَ إثارة أو مثارَ فتنة أو وسيلةَ إِغراء, أو مادةَ إِغواء خُصوصاً أيام العيد, فتُفسدِي كُلَّ ما عَملتيهِ من طاعاتٍ وقربات. تذكري أنَّ في النّارِ صِنفاً من النساء حذَّرَ منهُنَّ النبيُّ r فَقَالَ: نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مَائِلَاتٌ، مُمِيلَاتٌ، عَلَى رُءُوسِهِنَّ أَسْنِمَةُ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا, وفي رواية: اِلْعَنُوهُمْ؛ فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ. هذا مصيرُ من تبرجت وترجّلت, وبَرَزَت وتكشَّفَت؛ فاتقي الله يا أمةَ الله, وأدّي حَقَّ الزوجِ والأولاد, اِحتشمي ولا تبرّجِي تَستَّرِي ولا تَكشَّفِي وعلى قدرِ استقامَتِكِ وصلاحِكِ يَصلُحُ بيتُكِ, بل وتَصلُحُ الأمَّةُ كُلُّهَا, لأنَّكَ المدرسةُ الحقيقيةُ لصناعةِ الرجال.
أيها الآباء والأولياء, صونوا نساءَكم، احفظوا أعراضَكم, واحذروا التفريطَ والتشاغُلَ والتقصيرَ والتساهُل, الذي لا تُؤمَنُ لَوَاحِقُهُ وتوابِعُهُ, وتواليه وعواقِبُهُ, جنِّبُوا أسرَكُم ونسائَكُم أماكنَ اللهوِ والغفلة, واعلموا أنَّ بين يدي الله تجتمعُ الخصوم فاحذر أيها الأب أن يكونَ خُصومُك بين يدي اللهِ من أهلِ بيتِك, نتيجةَ تفريطِك وغشِّك في أداءِ الأمانة.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق