الجمعة، 16 أغسطس 2013

خطبة بـ عنوان: "المستقبل للإسلام"

عباد الله, ولأنَّ اللهَ تعالى كَتَبَ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فَكُلَّ مَا وَقَعَ وَيَقَعُ وَسَيَقَع مكتوبٌ عندَهُ تعالى, وكُلُّ قَضَاءٍ قَضَاهُ اللهُ فهو خَير, لكن مَا {كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} فَيَظُنُّ البعضُ بقضاءٍ شَرَّاً فيُصيبُهُم يأسٌ وإحباط, لِقِصَرِ نَظَرِهِم, وعَدمِ معرفتِهِم بالغيب فإذا هو خيرٌ{فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} فَلابُدَّ من الثقةِ باللهِ تعالى, واعتقادِ أَنَّهُ لا يَجرِي في الكونِ إلا ما يُريدُ لحِكَمٍ صالِحَةٍ يُريدُهَا, فَلَابُدَّ أن يكونَ المسلمونَ على صِلَةٍ بربِّهِم, معتمدينَ عليه، مبتهلينَ إليه أن يهيئَ لَهُم أسبابَ القوةِ والنصرِ والتمكين.
وإن من أخطرِ القضايا التي يقع فيها كثيرٌ من المسلمين خصوصاً في هذا الزمن سوءَ الظنِّ باللهِ {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} يَظنُّونَ أنَّ اللهَ لا ينصُرُ شريعتَه, ولا ينصُرُ دينَه، ولا ينصُرُ المسلمين, ونُجيبُهُم بأنه إذا كان الإسلامُ لن يَنتصِرَ فلمَاذا أنزَلَ اللهُ الكتاب؟ وأرسلَ الرسولَ؟ وشَرَعَ الدين؟ لماذا نُسخت كُلُّ الأديانِ السابقةِ بالإسلام إذَا كان الإسلامُ لن ينتصر؟ النصرُ للإسلام, والمستقبلُ لدينِنَا لا محالة, قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}. وقال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}. وقال تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ. وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} إذاً المسألةُ مسألةُ وقت, واستيفاءُ تحقُّقِ شروطِ النصر من الإيمانِ الخالص والتوكلِ الصادق والأخذِ بأسباب التمكين وتصفيةِ الصف من الخونةِ والمُخذِّلين, فالحقُّ لا يُغلَبُ أبداً, لكن يتأخّر ويُضيَّقُ عليه ويُعتدَى على أصحابه وتُشوَّهُ صورتُهُم ويُحَارَبُون, كُلُّ ذلك تَمحيصاً لَهُم, ورِفعَةً في درجاتِهِم, ومَحقاً لأعدائهم, وتأمَّلُوا هذِهِ الأحاديثَ الشريفةَ المبشّرِةَ لنَا, والتي تزيدنا ثِقَةً بربِّنَا وبدينِنَا, وبنصرِهِ لنا, والتي نَطَقَ بها الصادقُ المصدوقُ r, فقد قَالَ يوماً لأصحابِهِ: إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ, أي جمَعَهَا وضمَّهَا فنظَرَ إليهَا r نظرةً حقيقيّةً بعينِهِ, فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا. وقَالَ r: لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ يعني الدين, مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ, أي لا بيتَ حَجَرٍ في حاضرة, ولا بيتَ وَبَرٍ في بادية, إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ. وهذا أمرٌ لَم يَتحقّق بَعد, فلابد أن يَتحقق كما جاء في الحديثِ الآخر أنَّ عَبْدَاللهِ بْنَ عَمْرِو y، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللهِ r نَكْتُبُ أي نكتُبُ حديثَه إِذْ سُئِلَ أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلًا: قُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلًا. يَعْنِي قُسْطَنْطِينِيَّةَ. فروما لَم تُفتَحُ بَعد فلابُدّ أن تُفتَحَ, لأنَّ النبيَّ r أخبَرَ بذلك.
وَقَالَ r: تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضَّاً، أَيْ: يُصِيبُ الرَّعِيَّةَ فِيهِ ظُلْمٌ يُعَضُّونَ فِيهِ عَضَّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، أَيْ: قَهْرًا وَغَلَبَةً, يتصارعون على الحُكم ويتغَالَبُونَ عليه, فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا, ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ ثُمَّ سَكَتَ r. فَهَذِهِ الأحاديثُ لابُدَّ أن تتحَقَّقَ, لأنَّهَا خبرٌ من اللهِ تعالى, عَلَى لسانِ نبيّهِ الصادِق r.
فَمَا الواجِبُ على المسلمين الآن؟ الواجبُ على المسلمينَ أن يَثِقُوا باللهِ تعالى, وبنصرِهِ, وَأنَّهُ مَعَهُم, وَلَنْ يَتْرُكَهُم, كيفَ لَاَ؟ وقد قَالَ تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}. وعليهم أن يعتقِدُوا أنَّ المستقبلَ للإسلامِ قَطعاً رَغْمَ تِلكَ الهَزَّاتِ والهَنَّاتِ والِابتلاءاتِ التي تُصيبُهُم من حُكُومَاتِهِم أو من أعدائِهِم. ثم عليهم أنْ لَاَ يَكَلُّوا ولا يَمَلُّوا في نُصرةِ دينِهِم, والِاهتمامِ بقضاياه مُتذكِّرينَ قولَ النبيّ r: مَنْ لَمْ يَهْتَمَّ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ, وَمَنْ لَمْ يُصْبِحْ وَيُمْسِ نَاصِحًا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ ولإِمَامِهِ ولِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ. اللهم انصر دينَك, وكتابَك, وسنةَ نبيك, وعبادَك المجاهدينَ الصادقين .. إلَخ
عباد الله, مشاهِدُ الدماءِ والجثث التي رأينها قبل يومين في ميادين مصر, وقبلَها رأينها في سوريا, وقبلَها رأينا أجساداً تُحرَقُ في بورما وأراكان, وقبلَها مجازرَ تُرتكَبُ في فلسطين على أيدي الصهاينة اليهود. كلُّهَا مشاهِدُ ومناظِرُ تُدمِي القلب, لكن عزاؤُنا في قولِ الحقِّ تعالَى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} وفي قوله تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وفي قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}. وعزاؤُنا أيضاً في قولِ النبيِّ r: إِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ، وَلَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ، فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، أي لا أهلِكَهُم بقحطٍ يعمُّهُم إن وَقَعَ قَحطٌ يَكونُ في ناحيَةٍ يسيرةٍ بالنسبةِ إلى باقي بلادِ الِإسلام, وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ أَيْ أصلَ مُجْتَمَعِهِمْ وَمَوْضِعَ سُلْطَانِهِمْ. وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا يعني عدوَّهُم لو اجتمَعَ عليهم من أطرافِ الأرضِ فلن يَستأصِلَ شأفتَهُم ولا دينَهُم. قال: حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا, وَحَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يَسْبِي بَعْضًا.
عباد الله, مشاهدُ الدماءِ والجُثثِ والقتلِ المتعمَّدِ فيها خيرٌ لنا {لَاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}. إنَّ الله تعالى بهذه المشاهِدِ المؤلِمَةِ مَيَّزَ لنا بينَ المؤمنين الخُلَّصِ, مِنَ المنافقينَ والموالينَ للكافرين. ميَّزَ بينَ مَنْ يُحِبُّ الدينَ ويَفخَرُ بِهِ, ويَدعُو له, وبين مَنْ يَكرَهُ الدينَ, ويَهزَأُ بِهِ ويُحارِبُهُ. بهذه الفتن انكشَفَ الغطاءُ وانفضحَت المواقِفُ السياسيّةُ والدينيّةُ بل والإعلاميّةُ المُخزية, {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}.
اللهم في هذه الساعة من الجمعة صل وسلم على نبينا محمد ونسألك اللهم أن ترحم من مات من المسلمين في ميادين مصر, اللهم ارحمهم, واكتبهم في الشهداء, اللهم داوي جرحاهم, وأمِّن خائفَهُم, وأطعم جائعهم. اللهم كُن معهم ولا تَكُن عليهم.
اللهم ول عليهم خيارَهُم, واكفهم شرارَهُم من المنافقين ومن يُعادي الدين.
اللهم يا منتقمُ يا جبار, يا عزيزُ يا قهار, انتقِم مِمَّنْ سَفَكَ دماءَ المسلمين في مصر, اللهم أرنا في الظالمين قُدرتَك, وأنزِل عليهم نِقمتَك, وصُبَّ عليهم عَذَابَكَ ورجزَك, إلهَ الحق.
اللهم اشفِ صدورَنا يا ربنا بصلاحِ حالَ المسلمين, واجتماعِ كلمتهم, ونصرِهِم على عدوهم, في الشام, وفي مصر, وفي فلسطين, وفي كل مكان يا حي يا قيوم يا رب العالمين.
عباد الله, اذكروا الله العظيم يذكركم .. إلَخ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق