الجمعة، 16 أغسطس 2013

خطبة بـ عنوان: "من دروس غزوة بدر (أهمية الدعاء)"

عباد الله, في مثل هذا اليوم الجمعة السابع عشر من رمضان من السنة الثانية من الهجرة كانت غزوةُ بدرٍ الكبرى, التي سماها الله في القرآن{يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} دروسُ هذه الغزوة كثيرة, لا يسعُهَا هذا الموقف, ولا تحصرُهَا خطبةُ جمعة, إنما أقف معكم وقفةً واحدةً مع مشهدٍ واحد من مشاهِدِ هذه الغزوة, ألا وهو أثرُ الدعاء وأهميتُهُ في تحقيقِ النصر, وسرعةِ الفرج, وإنزالِ المددِ الإلهي, والعونِ السماوي من اللهِ الذي بيدِهِ أسبابُ النصر وحدَه {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ}.
عباد الله, حين رأى رسولُ اللهِ r كتائِبَ المشركين وهي تزحَفُ لأرضِ المعركة, ماذا صنع؟ التجأ إلى الله بعقله وقلبه ويديه إلى من في السماء وقال: اللهُمّ, إنّك أَنْزَلْت عَلَيّ الْكِتَابَ وَأَمَرْتنِي بِالْقِتَالِ وَوَعَدَتْنِي إحْدَى الطّائِفَتَيْنِ وَأَنْتَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ. اللهُمّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ بِخُيَلَائِهَا وَفَخْرِهَا، تُحَادُّك وَتُكَذِّبُ رَسُولَك, اللهُمّ، نَصْرُك الّذِي وَعَدْتنِي, اللهُمّ أَحِنْهُمْ الْغَدَاةَ أَي أهلكهم. وفي موطن آخر, نَظَرَ r إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ, اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ حُفَاةٌ فَاحْمِلْهُمْ، اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ عُرَاةٌ فَاكْسُهُمْ اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ جِيَاعٌ فَأَشْبِعْهُمْ, فَمَا زَالَ يدعو مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ, فَأَتَاهُ الصدّيقُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ, ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ. وجاءت الاستجابةُ من السميعِ القريبِ المُجيبِ سريعةً قويةً, فيتلقى جبريلُ أوامِرَ ربِّ العزة, وينزلُ من السماء ومعه ألفٌ من الملائكةِ عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ بِيضٌ وَعَلَى رُءُوسِهِمْ عَمَائِمُ بِيضٌ قَدْ أَرْخَوْا أَطْرَافَهَا بَيْنَ أَكْتَافِهِمْ تَطِيرُ إلى الْأَرْضِ, فشارَكَت في المعركةِ وقتلَت المشركين مَدَدَاً من الله لنبيّه بسبب استغاثتِهِ ودعائه قال الله: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} أَيْ: مُتَتَابِعِينَ بَعْضُهُمْ فِي إِثْرِ بَعْضٍ. عباد الله, دعا النبيُّ r ربَّهُ في بدر, وهو المؤيَّدُ بحفظِ الله, والموعودُ بنصر الله, والمحفوظُ بعنايةِ الله, لكنه وَقَفَ ودَعَا, وبذَلَ السبب, وألَحَّ في المسألة حتى سقط رداؤه عن كتفه, لنتعلَّمَ مِنه r أن لا نغفَلَ عن الدعاء في مواطِن الشدة والبلاء التي تصيبُنا وتصيبُ إخوانَنا المسلمين في كل مكان فإنه أخذٌ بسببٍ معنويٍّ قويّ جالبٍ للنصر والفرج لا نغفل عن الدعاء, فالدعاء يَستجلِبُ المنافع ويَدفَعُ الضر ويرُدُّ قضاء السوء, الدعاء سلاحٌ نمدُّ به إخوانَنا المجاهدين في بلادِ الشام وفي فلسطين, الدعاء حِصنٌ نبنيهِ لإخوانِنَا المضطهدينَ والمنكوبين في كل مكان, الدعاء دعمٌ حقيقيٌّ لإخوانِنا المظلومين في كل مكان عليكم بالدعاء خصوصاً وأنتم في رحاب شهرٍ كريم, وقد قال الله لنبيه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} هل تعلمون أن هذه الآية توسطت آياتِ الصيام وجاءت بعدَ آية: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}؟ إشارةٌ حكيمةٌ من ربٍ حكيمٍ لتجتهدوا في الدعاء في شهر رمضان. فاللهم أجب دعائنا, وحقق رجائنا ..
عباد الله, الدعاءُ وما أدراكُم ما الدعاءُ؟ سِلَاحُ المؤمن, وسِهَامٌ نافِذَةٌ, وبَريدٌ عاجِلٌ جِدَّاً بينَ العبدِ الضعيفِ والربِّ القوي, بينَ العبدِ الفقيرِ والربِّ الغني, يقولُ النبيُّ r: حَرِّزُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ، وَدَاوَوْا مَرَضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَادْفَعُوا عَنْكُمْ طَوَارِقَ الْبَلَاءِ بِالدُّعَاءِ، فَإِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ, مَا نَزَلَ يَكْشِفُهُ, وَمَا لَمْ يَنْزِلْ يَحْبِسُهُ.
أتَهـــــزَأُ بالـدعـاءِ وتَزدريــــهِ        وَمَا تَدرِي مَا صَنَعَ الدعاءُ
سِهَامُ الليلِ لَا تُخطِئ ولَكِن       لَهَا أجَلٌ ولِلَأجَـلِ انقضاءُ
شهرُ رمضان شهر إجابةِ الدعوات, وتفريجِ الكربات فُرصتُكُم يَا ذَوِي الحاجاتِ والفَاقَاتِ والطلبات أنزِلُوا حوائِجَكُم على الله, اِقرَعُوا بِهَا أبوابَ السماء, اِعرضوها على مولَاكم وثِقُوا أنَّهُ سيستجيبُ لَكُم, خصوصاً أنكم مقبلون على عشرٍمباركات, فيها ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شهر من حُرِمَ خيرَهَا فقد حُرِم, ثِقُوا بربكم واعلموا أنه سبحانَهُ حَيِيٌّ كريمٌ يستحي من عبدِهِ أن يَرفَعَ إليه يديهِ داعياً مُبتَهِلَاً راجِياً ثُمّ يردُّهُمَا صِفراً خاليتينِ من الخير كُلُّ الحبالِ تَتصرَّمُ إلَّا حَبلُهُ, وكُلُّ الَأبوابِ تُوصَدُ إلَّا بابُهُ. تَحَرَّوا بِدُعَائِكُم الَأوقاتَ الشريفة كثُلثِ الليلِ الَآخر وفي السجود ولَحظةِ الِإفطار وهذه الساعة وآخرِ سَاعةٍ من الجمعة وأدبارِ الصلوات وبينَ الَأذانين وفي القنوت وألِحُّوا على اللهِ ألِحُّوا على اللهِ في الدعاء فَإِنَّهُ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ.
ثُمَّ اعلموا أنَّ الدعاءَ موقوفٌ بين السماءِ والَأرضِ حتى يُصلَّى على رسولِ اللهِ r ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق