الجمعة، 13 ديسمبر 2013

خطبة بـ عنوان: "الموظف الصالح"

عباد الله, من هو الموظف الصالح؟ الموظف الصالح هو من يراقب الله تعالى في وظيفته التي كلف بالعمل عليها, يراقب الله قبل أن يراقبه مديره أو مسئوله أو الناس أو الصحافة أو الإعلام, يراقب الله فيُتقن عمله, يراقب الله فيَرتقي بقدراته ومهاراته, يراقب الله فيُبدع في مجاله, يراقب الله فلا يَدع عِلةً عليه, ولا يترك مدخلاً إليه.
الموظف الصالح يسعى جاهداً بكل ما أوتي لرفعة مجتمعه وإعماره وإصلاحه وبنائه وتقدمه خدمةً لدينه, وتحملاً لمسؤوليته, واستشعاراً للأمانة التي حُمِّلَهَا, ووفاءً بالعقد الذي ألتزمه, وتحريَّاً للرزق الحلال الذي سيأخذه, لأنَّ أيَّ تقصير في وظيفته هو إخلالٌ بالعقد, وتفريطٌ في الأمانة, والله تعالى سائله عمَّا أخذه مقابلَ عملِهِ.
الموظف الصالح قوي أمين قويٌّ في عمله أمينٌ على ما تحتَ يدِهِ لا يُقصّر ولا يَخون ولا يستغل وظيفته لأجلِ تحقيقِ مصلحةٍ له أو لمعارِفِهِ, دونَ مسوَّغٍ شرعي أو قانوني. قَالَ النبيُّ r: مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا، فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ.
الموظف الصالح لا يكونُ سببَ تأخُّرٍ لوطنِهِ أو مِعولَ هدمِ لكيان دولَتِهِ أو لَبِنَةً فاسدةً في بناءِ مجتمعِهِ, تُجرثِمُ ما جاورَهَا, فيستشرِي داؤُهَا, ويتعسَّرُ علاجُهَا.
الموظف الصالح يبرأ إلى الله من خيانةِ الأمانة, وخُبثِ الكسب, ونقضِ العقد, والتحايلِ على المسئولين, لا تغره المناصب, ولا تفسده الأموالُ والرواتب.
وإنَّ لنا في السلفِ الصالِحِ خيرَ مثالٍ يُحتذى, وخيرَ خبرٍ يُحتفى, دعا أميرُ المؤمنين عمرُ t سَعِيدَ بْنَ عَامِرٍ الْجُمَحِيِّ إلى مؤازرته وقال: يا سعيد, إنَّا مُولوك على أهلِ حمص, فقال سعيد: يا عمر, ناشدتك الله ألا تفتنَنِي. فَغَضِبَ عُمرُ وقال: ويحكم وضعتم هذا الأمر في عنقي ثم تخليتم عني والله لا أدعك. ثم ولاه على حمص. ثم مضى سعيد إلى حمص وبعد فترة, وَفِدَ على أميرِ المؤمنين بعضُ مَنْ يَثِقُ بِهِم من أهلِ حمص فقال لَهم: اكتبوا لي أسماءَ فقرائِكم حتى أسُدَّ حاجتَهُم، فرفعوا كتابًا فإذا فيه: فلان وفلان وسعيدُ بن عامر، فقال: ومن سعيد بن عامر؟ فقالوا: أميرُنا. قال: أميرُكُم فقير؟ قالوا: نعم ووالله إنه ليمر عليه الأيام الطوال ولا يوقد في بيته نار، فبكى عمر حتى بللت دموعُهُ لحيتَه. ولم يمض على ذلك وقتٌ طويل حتى أتى عمرُ t ديارَ الشام يتفقد أحوالها فلما نزل بحمص لقيه أهلُها للسلام عليه. فقال: كيف وجدتم أميرَكم؟ قالوا نِعم الأميرُ يا عمر إلا ثلاث فِعَال, لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار وإنه لا يجيب أحداً بليل وإنه تُصيبُهُ من حين إلى آخر غَشية فيغيب عَمَّن في مجلسه قال عمر: اللهم لا تخيب ظني فيه وجمعهم به ثم قال: ما تشكون من أميرِكم؟ قالوا: لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار. فقال عمر: ما تقول في ذلك يا سعيد؟ فَسَكَت قليلاً ثم قال: والله إني كنتُ أكرهُ أن أقولَ ذلك، أما وإنه لا بد منه، فإنه ليس لأهلي خادم، فأقوم في كل صباح فأعجن لَهم عجينَهُم، ثم أتريَّثُ قليلاً حتى يختمِر ثم أخبزُهُ لَهم، ثم أتوضأ وأخرج للناس. قال عمر: وما تشكون منه أيضًا؟ قالوا: إنه لا يجيب أحداً بليل. قال عمر: وما تقول في ذلك يا سعيد؟ قال: إني والله كنت أكره أن أعلن هذا أيضًا. فإنِّي قد جعلتُ النهار لَهم ولربي الليل. ثم قال عمر: وما تشكون منه أيضا؟ قالوا: تصيبه من حين إلى آخر غشية فيغيب عمن في مجلسه, قال عمر: وما هذا ياسعيد؟ فقال: شهدت مصرع خُبيب بن عَدي وأنا مشرك، ورأيت قريش تقطع جسده وهي تقول: أتحب أن يكون محمد مكانك؟ فيقول: والله ما أحب أن أكون آمنا في أهلي وولدي، وأن محمدًا تشوكه شوكة. وإني والله ما ذكرت ذلك اليوم وكيف أني تركت نصرته إلا ظننت أن الله لا يغفر لي. وأصابتني تلك الغشية عند ذلك قال عمر: الحمد لله الذي لَم يخيب ظني فيك.
هكذا يكون تحمل المسئولية, وهكذا تؤدى الأمانة, ووالله لقد أتعبوا من بعدهم, اللهم وفقنا لخدمة ديننا, واقبل أعمالنا, وانفع بنا الإسلام والمسلمين, وتجاوز عن تقصيرنا وهفواتنا يا أرحم الراحمين.
عباد الله, أغلب مظاهر الفساد الإداري والمالي والإنشائي والتربوي, سببها الموظفون الفاسدون, الذين لا يأبهون بتقصيرهم, ولا يبالون بنقدهم, ولا يتحملون مسؤولياتهم, ولا يراقبون الله في أعمالِهِم, همُّهُم نهايةُ الشهر أن يقبضوا مرتباتِهِم, ولربما أكلوا عليها ما أكلوا من رشاوى وعمولات, ولا عليهم بما قدموه لمجتمعهم, وما دروا أنهم سبب الفساد, والتأخر, وعدم التطور, والِارتقاء بالمجتمع وخدماته إلى الأفضل. فإذا وقعت مصيبة أو كارثة تنصلوا عن المسئولية وولولو مع الناس, وناحوا مع النائحين, حتى يخيل للسامع أنه لا ذنب لهم, كقصة المصحف الذي سُرِقَ في مجلسِ مالك بن دينار رحمه الله, كان مالك بن دينار في درسه يعظ الناس, وهم يبكون من حوله, فالتفت الى مصحفه فلم يجده, فالتفت للناس فإذا هم يبكون, فقال لَهُم: ويْحَكُم, كلُّكُم يبكي. فمَن سَرَقَ المصحف؟ ويحَكُم, كلُّكُم يبكِي. فَمَنْ سَرَقَ المصحف؟
فاتقوا الله عباد الله, وراقبوا الله فيما تأتون وما تذرون, راقبوا الله فيما تتولون من مهام ومسئوليات وأعمال, وأحسنوا فيها, إنَّ اللهَ يحب المحسنين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق