أما بعد, فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله تعالى, فَاتَّقُوهُ سبحانه, وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ الظَّاهِرَة، وَآلائِهِ الْبَاهِرَة، فَدِينُنَا خَيْرُ الأَدْيَانِ، وَأُمَّتُنَا خَيْرُ الأُمَمِ، وَنَبِيُّنَا أَفْضَلُ الأَنْبِيَاءِ، وَنَحْنُ بَيْنَ ذَلِكَ فِي صِحَّةٍ فِي الأَبْدَانِ، وَأَمْنٍ فِي الأَوْطَانِ، وَرَغَدٍ فِي الْعَيْشِ وَأَمَان.
عباد الله, من نِعَمِ اللهِ علينا أن خَلَقَ لنَا أزواجاً نَسكُنُ إليها, ونأنسُ بها, وجعل بينَنا وبينَ زوجاتِنا مودةً ورحمة, ولكن, ولأننا بشر, ولأن النزعة البشرية مع المؤثرات النفسية مع الوساوس الشيطانية قد تجتمع في لحظة فيحصل بسببها خلافٌ داخلَ البيتِ المسلم, وقد يتطور الخلاف تطوراً مخيفا, حتى يظفَرَ الشيطانُ ببغيتِهِ, فيتفارق الزوجان لسببٍ تافه, وحتى تعرفوا فرحة إبليس بحصولِ هذا الفراق, ووقوع الشقاقِ ثم الطلاق, تأملوا هذا الأثر, يَقولُ النبيُّ الصادِقُ r: إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدُهُمْ، فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: وَيَجِيءُ أَحَدُهُمْ، فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ - أَوْ قَالَ: فَيَلْتَزِمُهُ - وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ أَنْتَ.
عباد الله, ومع هذا حَرِصَ الإسلامُ بتوجيهاتِهِ الربانيّة وتشريعاتِهِ القرآنية وإرشاداتِهِ النبوية على تجنيبِ الأسرة شرورَ الشقاقِ والخصام، ووجّهَنا إلى حَلِّ المشاكل بأساليب يسيرة لكن تحتاج لقلبٍ صادق وعقلٍ واعي وإدراكٍ لِحجم المسئولية وخطورةِ المسألة إذا غَفلْنَا عنها. فتعالوا نستعرِضُ سوياً جملةً من أساليبِ حَلِّ المشكلاتِ الزوجية, وكيفيةَ احتوائِها بطرقٍ سهلةٍ حكيمة, وكُلُّ إِنْسَانٍ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَة, وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ.
من أساليب حل المشكلات الزوجية أن يفهَمَ كُلُّ زوجٍ زوجَه, ويفهَمَ نفسيَّتَه, ويفهَمَ متى غضبُهُ؟ حتى يتدخَّلَ فوراً لتهدئتِهِ, ولا يَزيدُ النَّارَ وقوداً, ودُونَكُم رَسُولُ اللَّهِ r يقولُ لزوجِهِ عَائِشَةَ t: إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى. قَالَتْ: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لاَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى، قُلْتِ: لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ. فتقولُ لَهُ الحبيبةُ عَائِشَةُ t: أَجَلْ, وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ. فَهِمَهَا r, وفَهِمَ نفسيَّتَهَا من معاشرتِهِ لَهَا, وهذا ما تَفتقدُهُ كثيرٌ من بيوتِ المسلمين, وأُسَرِهِم, أنَّ الزوجَ لا يَفهَمُ زَوجتَه ولا تَفهمه, ولا يعرف ما يُغضِبُهَا؟ ومَا يُرضِيَهَا؟ ومتى تغضب؟ وكيف تغضب؟ ولماذا تغضب؟ وكيفَ ترضى؟ ومتى ترضى؟ ولأجلِ ذلك, يحصُلُ التنافُرُ لأتفَهِ سببٍ, وأدنى كلمةٍ, فإذا انفعَلَ طرفٌ, انفعَلَ الآخر, وإذا غَضِبَتِ المرأةُ ثارَ الرجل, والعكس, وما أجملَ ما قالَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ t لزوجتِهِ: إذا رأيتِني غَضِبتُ، فَرَضِّني، وإذا رأيتُكِ غَضبتِي رَضيتُكِ، وإلَّا لَم نَصطَحِب.
يقولُ الإمامُ أحمدُ في حَقِّ زَوجتِهِ أُمِّ ولدِهِ صَالِح مُثنِيَاً عليها: أقامَت أمُّ صالِح معي عشرينَ سنةً فَمَا اختلفتُ أنا وهِيَ في كلمة. لأنَّهُ فَهِمَهَا وفَهِمته, واحتواها واحتوته.
عباد الله, ومِنْ أساليبِ حَلِّ المشكلاتِ الزوجيَّةِ أن يتحمَّلَ الزوجُ ضعفَ المرأة وعجزَها ونفسيتَها وما يعتريها من مؤثراتٍ جسدية تؤثّرُ على سلوكِهَا بعضَ الأوقات, فليلتمس لها العُذْر, وهذا ما أرشدَنَا له النبيُّ المُربِّي r فقال: إِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ. المؤمنُ يطلُبُ المعاذير، والمنافِقُ يطلُبُ الزلَّات، وحين تَحسُنُ النوايا، وتتوادُّ القلوب، يكونُ التَّعَقُّلُ والتَّحَمُّلُ والمُداراة، علاجاً لكثيرٍ من المشكلات.
ومن أساليبِ حَلِّ المُشكلاتِ الزوجية, الإنصاف, وما أقلَّهُ في زمانِنا, الإنصاف, أن لا ينسَى الزوجُ ما عند زوجته من أخلاقٍ حسنة وصفاتٍ حميدة، المنصف من اغتفَرَ قليلَ خطأِ المرءِ في كثيرِ صوابه. وهذا هو معنى قولِ النَّبِيِّ r: لَاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، - أي لا يُبغِض - إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ. غَضُّ الطرفِ من شِيَمِ الكرام, ونسيانُ الإحسانِ لؤم, والوقوفُ على كُلِّ خَطَأ مدعاةٌ للنُّفْرَة, وقد قيل:
سَامِحْ أخَـــاكَ إذا خلَــــطْ مِنْهُ الِإصَابَــةَ بالغَلَـــــطْ
وتَجَـــــــافَ عنْ تعْنيفِـــــهِ إنْ زاغَ يَومـــاً أو قَسَطْ
واعْــلَمْ بأنّكَ إنْ طلبْـــــتَ مُهَذَّباً رُمْــــتَ الشّطَطْ
مَنْ ذَا الذِي مَا سَاءَ قَـطُّ وَمَنْ لهُ الـحُسْــنى فقطْ
اللَّهُمَّ يَاحَيُّ يَا قَيُّومُ يَاذَا الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، نَسْأَلُكَ أَنْ تُصْلِحَ بُيُوتَنَا، وَتَحْفَظَ أَهلنا, وتَهْدِيَ زوجاتِنَا وأبنائَنَا وبناتِنَا, رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ..
عباد الله, ومن أساليبِ حَلِّ المشكلاتِ الزوجية, التروِّي, والتُّؤَدَة, وعَدَمُ الِاستعجالِ في اتخاذِ القرارِ في مواطِنِ الغَضب, وإثارةِ المشاكل, أعلمُ أنَّ كثيراً من النساء تتفنَّنُ في إثارةِ حفيظةِ الزوج, والِانفعالِ أمامَه, فعليهِ أن يُقَابِلَ أيَّ مُشكلةٍ بالحِلمِ والأَناةِ والرِّفْق واللِّين والتأنّي والعقل, واللهُ U يُعطِي عَلَى الرِفقِ مَا لَاَ يُعطِي عَلَى العُنف, وهو سبحانه يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ. وتأمَّلُوا هذه القصة,
كَانَ النَّبِيُّ r عِنْدَ أمِّ المؤمنين عَائِشَةَ t, فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَجَاءَ الخَادِمُ بالصَّحْفَةِ, فَلَمَّا رأتْهَا أمُّنَا عَائِشَةُ t غَشِيَتْهَا الغَيْرَة فَضَرَبَتِ يَدَ الخَادِمِ, فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ يعني تكسَّرَت فَقَامَ النبيُّ r بِنَفْسِهِ فَجَمَعَ فِلَقَ الصَّحْفَةِ ثُمَّ جَعَلَ r يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِيها، وَيَقُولُ: غَارَتْ أُمُّكُمْ, غَارَتْ أُمُّكُمْ. ثُمَّ حَبَسَ r الخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ صَحِيحَةٍ مِنْ عِنْدِ عَائِشَة فَدَفَعَهَا إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ المَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ عائِشَة. ولَمْ يَزِدْ على ذلك.
تأملوا رحمكم الله هذه الأناة وتلك الحكمة من النبيِّ الكريمِ r في معالجةِ هذا الخطأ واحتواءِ المشكلة قبل أن تتفَاقَم وتعظُم, كُلُّ ذلك بهدوءٍ ورفقٍ ولِين وحِلْمٍ منه r، فليكن لنا فيه المثلُ الأعلى, والقدوةُ الحسنةُ في التعامُلِ مع المشكلاتِ اليومية في حياتِنَا الزوجية.
ثم صلوا وسلموا رحمكم الله على خيرِ البريّة, وأزكى البشرية, ومعلّمِ الإنسانيةِ الخير..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق