السبت، 1 فبراير 2014

خطبة بـ عنوان : "التواصي بين المسلمين"

عباد الله, ولأن المؤمنين إخوة, فهم فِيمَا بَيْنَهُمْ نَصَحَةٌ, يَنصَحُ بَعْضُهُمْ بعْضاً, ويُوصِي بعضُهُم بعضاً, ويدلُّ بعضُهُم بعضاً على أبوابِ الخيرِ, وطرائِقِ المعروف, ويُحَذِّرُ بعضُهُم بعضاً من الِانغماسِ في المعاصِي والشهواتِ والمنكرات. لَاَ يُغلِقُ كُلُّ واحدٍ بابَ دارِهِ عليهِ ويقول: عليَّ نفسِي, ولا يُضرني مَنْ ضَلّ أو كَلّ أو زَلّ. كلا يا عباد الله, ما هكذا علمنا دينُنا, دينُنا دينُ الترابُط, والتلاحُم, والتراحُم, والتكامل, والتناصُح, والتواصِي.
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَالْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}. فالناسُ كُلُّهُم خاسرون هالكون مُعذَّبون إلا من اتصف بأربع صفات, إيمانٌ بالله وبرسوله, وعملٌ صالِح, والتواصِي بين المؤمنين بالحق, أي بأَدَاءِ الطَّاعَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ والتواصي فِيمَا بَيْنَهُمْ بالصبر, أي عَلَى الْمَصَائِبِ وَالْأَقْدَارِ. هذه أخلاق أهل الإسلام, وهذا مقياس الإيمان.
ولقد أقسَمَ النبيُّ r بقولِهِ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ. فَقِسْ إيمانَكَ, هل تُحِبُّ لأخيك في أمورِ دينه ما تحبه لنفسِك؟ هل تحب له في أمورِ دنياه ما تحبه لنفسك؟
الأخ الحقيقي, هو مَنْ يَخافُ عليك في دينِك كَمَا يخاف عليك في دنياك, وهو مَنْ يُحرِّصُكَ وينصَحُك في دينك كَمَا يَنصَحُكَ ويُحَرِّصُكَ على أمورِ دنياك, يخاف عليكَ نارَ الآخرة. إن رآك قصَّرتَ في طاعة نصحك برفقٍ وموعظةٍ حسنة. وإن رآك ارتكبت ذنباً نَصحَكَ بحكمة. إن افتقَدَكَ في موطنِ خيرٍ وبِرٍّ سألَ عنك, وبادَرْ لأن تكونَ قبلَهُ فيه, وإن شَهِدَتَ مُنكَرَاً بادَرَ لِانتشالِكَ منه, حِرصاً عليك, ونُصحاً لك. إن رآك ظالماً حَجَزَكَ عن ظلمك, ومنعَكَ منه, وإن رآكَ مظلوماً نصرَكَ, وأيَّدَكَ.
ولقد تطورت يا عباد الله في هذا الزمان وسائلُ التواصل وتعددت وتنوعت, فلمَاذا لا نَستغِلُّهَا في تذكيرِ بعضِنا بحقِّ اللهِ تعالى, وحَقِّ كتابِهِ, وحَقِّ رسولِهِ r, وسننِهِ, لماذا لا نُسَخِّرُهَا في حَثِّ بعضِنَا بعضاً على العملِ الصالِحِ, وإحياءِ السنن, والتحذيرِ من المظالِم والمعاصي؟ الصديقُ الوفيّ, هو مَنْ يُذكرك بالله إذا نَسيت, ويُصبرك إذا ابتُليت, ويُحذرك إذا ظَلَمْت, ويَنصرُك إذا ظُلِمت, ويُخوّفُكَ باللهِ إذا عَصيْت, ويَدعو لك إذا غِبْت. قَالَ مَالِكُ بنُ دينار: كُلُّ أخٍّ وجَليسٍ وصاحِبٍ, لَاَ تستفيدُ مِنهُ في دينِكَ خيراً, فانبِذْ عنَكَ صُحبَتَه.
إنَّ مَنْ نَصَحَ أخاهُ في الدنيا ودلَّهُ عَلَى الخيرِ فَلَهُ مِثلُ أجرِهِ, ويومَ القيامة ستَرَى أثرَ نُصحِكَ لأخيكَ ودَعوتِكَ لَهُ حينَ يَسبِقُكَ بفضلِ اللهِ إلى الجنَّة, ويسألُ عنكَ, فتلحَقُ بِهِ, عَنْ عَلِيٍّ t فِي قَوْلِهِ{الْأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ} قَالَ: خَلِيلانِ مُؤْمِنَانِ، تُوُّفِّيَ أَحْدُهُمَا, وَبُشِّرَ بِالْجَنَّةِ, فَذَكَرَ خَليلَهُ، فيُقَال: اللَّهُمَّ، إِنَّ فُلانًا خَلِيلِي, كَانَ يَأْمُرُنِي بِطَاعَتِكَ, وَطَاعَةِ رَسُولِكَ، وَيَأْمُرُنِي بِالْخَيْرِ, وَيَنْهَانِي عَنِ الشَّرِّ، وَيُنَبِّئُنِي أَنَّي مُلاقِيكَ، اللَّهُمَّ, فَلا تُضِلَّهُ بَعْدِي حَتَّى تُرِيَهُ مِثْلَ مَا أَرَيْتَنِي، وَتَرْضَى عَنْهُ كَمَا رَضِيتَ عَنِّي. فَيُقَالُ لَهُ: اذْهَبْ فَلَوْ تَعْلَمُ مَالَهُ عِنْدِي لَضَحِكْتَ كَثِيرًا, وَبَكَيْتَ قَلِيلًا. قَالَ: ثُمَّ يَمُوتُ الْآخَرُ فَتَجْتَمِعُ أَرْوَاحُهُمَا، فَيُقَالُ: لِيُثْنِ أَحَدُكُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، فَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ: نِعْمَ الْأَخُ، وَنِعْمَ الصَّاحِبُ, وَنِعْمَ الْخَلِيلُ. اللهم كَمَا جَمعتَنَا في هذا المكانِ المُبارك, فاجمعنا في دَارِ كَرَامَتِك, اجمعنا يا ربنا في مُستَقَرِّ رحمتِك, اجمعنا يا مولانا بجوارِ نبيك وحبيبِك محمد .. إلخ
عباد الله, مِمَّا يَجِبُ التنويهُ عنه أن بعض الناس تأتيه على جواله رسالةٌ وعظية, فيرسلُهَا دون أن يتثبت عَمَّا فيها, خصوصاً مع كثرةِ المعلومات المتداولَة عبرَ أجهزةِ التواصل والتراسل, إن عليك أن تتثبت في كل رسالة تأتيك, تثبت قبل أن تُرسِلَها وتُعيدَ توجيهَها, واسأل أهلَ الذكر عنها, فقد تحتوي الرسالةُ على أحاديثَ مكذوبةٍ على رسولِ الله r فلا يجوزُ إرسالُها, بل لا يجوزُ روايتُها إلا على وجهِ بيانِ كذبِهَا والتحذيرِ منها. وإلا كُنتَ كَمَا قَالَ r: مَنْ رَوَى عَنِّي حَدِيثًا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ، فَهُوَ أَحَدُ الْكَذَّابِينَ. قد يأتي إنسان ويقول: لا أدري أن الحديثَ موضوع, أو القصةَ مكذوبة, فنقول له: إسأل أهلَ العلم قبلَ إرسالِهَا, ولا تستعجل بإرسالِهَا بل تثبت من صحةِ محتواها.
أو تحتوي الرسالة على حَثِّ على بدعة لا تجوز, فيجِبُ رَدُّهَا, وبيانُ وجهِ إنكارِها.
أو تحتوي الرسالة على أمورٍ مخالفة كَمَا يقال: أرسلها إلى عشرة أو مئة وسترى ما يَسُرُّكَ ونحوَ ذلك من الألفاظ المحفِّزة على إرسالها, فهذا لا يجوز, لأنه رجمٌ بالغيب, وتَقَوُّلٌ عَلَى اللهِ بغيرِ علم, أو أن يَسأَلَكَ باللهِ أو بأمانَتِكَ أو ذِمَّتِكَ, أن تُرْسِلَهَا ولا تَقِفْ عندَك, هذا كُلُّهُ من تلبيس إبليس, ولا يجوز, لأنَّكَ تُلزِمُ الناسَ بِمَا لَمْ يُلْزِمُهُم بِهِ اللهُ, ولَاَ رَسولُهُ r, وقد تكون الرسالةُ منكرة, فيجِبُ الحذرُ من ذلك, ولا تَكُن مفتاحاً للشرّ ودليلاً عليه رُدَّ عَلَى مَنْ يُرسِلُ لَكَ الكذبَ والبدع بِمَا ذَكرناه, فإن ما ذكرتُهُ هو كلامُ أهلِ العلم وليسَ كلامي, وانصح بِمَا تعلمُهُ من السنةِ الصحيحةِ الثابتة, وبِمَا تَسمَعُهُ من أهلِ العلم الثقات, الراسخين في العلم.
نسأل الله تعالى أن يُرِيَنَا الحقَّ حَقَّاً والباطِلَ باطِلاً وأن يجعلَنَا بالحق مُتَوَاصِين, وعن المنكر مُتَنَاهِين, وأن نكونَ رُحَمَاءَ بينَنَا إلى يومِ الدين .. اللهم آمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق