عباد الله, شعيرة عظيمة عدها بعض أهل العلم ركنا سادسا من أركان الإسلام لأهميتها وبيان فضلها, إنها شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, عدوها ركنا سادسا تأكيدا لأهميتها وإلا لم يرد نصٌ على أنها ركنٌ سادس, ومثله قولُ بعض السلف: عمر بن عبدالعزيز خامس الخلفاء الراشدين. وقولُ بعض الفقهاء: الوتر سادس الصلوات المفروضة كل ذلك تأكيداً لأهميتها وبياناً لفضلها.
فكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عدوه ركنا سادسا من أركان الدين, فهو شعيرة عظيمة, مهمة الرسل, ووظيفة المصلحين, ونريد اليوم أن نتتبع وإياكم الآيات التي ورد فيها ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفيها الإشارةُ إلى عِظَمِ وفَضلِ هذه الشعيرة, فقد وردت في القرآن في ثمانية مواضع, فلنستعرضها على عجالة:
الآية الأولى: حينَ أمر الله به, والله لا يأمر إلا بما فيه مصلحةٌ لعبادة, فقال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. فأمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر أمة مفلحة.
الآية الثانية: حين علق الله تعالى خيريةَ الأمةِ بقيامِها به فقال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} ولاحظوا أن الله تعالى قدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان به تعالى.
الآية الثالثة: حينَ امتدح اللهُ به الصالحين من أهل الكتاب فقال تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ. يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ}.
الآية الرابعة: حينَ وصفَ اللهُ به عباده المؤمنين, فقال تعالى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} ولاحظوا أن الله تعالى قدمه حتى على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله ثم ذكر الجزاء, فقال: {أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ}.
الآية الخامسة: حينَ جعله الله أيضاً صفة عباده المؤمنين المبشّرِين, فقال: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}.
الآية السادسة: حينَ جعلَهُ الله تعالى من أسباب النصر والتمكين في الأرض والقوة فيها حينَ تأسيس الدولة الإسلامية, فقال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}.
الآية السابعة: حينَ رتب الله على القيامِ به الأجر العظيم, فقال: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}.
الآية الثامنة: حينَ حَكَى اللهُ تعالى أنه من وصايا لقمان الحكيم لابنه قولُهُ له: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ } وتدبروا كيف ربط بين قوله: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} وبين قوله: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} فدلّنا على أن مَنْ أمَرَ بالمعروف ونهى عن المنكر لا بد أن يصيبه أذى, لن يسلم من الإيذاء النفسي والجسدي, لذلك قال: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}.
أبعد هذه الآيات البينات يتكاسل الناس عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, ويسخروا من القائمين به, ويهونوا شأنهم ثم يتركونه ويُمنَعُ المحتسبون ليُترَكَ الناس يعيشون هكذا, وسط المنكرات بلا رقيب وبلا نكير, قال الله تعالى وهو أصدق القائلين: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ. كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} إنه البلاءُ بعينه. قَالَ النَّبِيُّ r: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ.
اللهم أصلح أحوالنا وأعمالنا وأقوالنا, واجعلنا هداةً مهتدين .. إلخ
عباد الله, لا يخفى على كل ذي بصيرة الهجمة الشرسة التي تتعرض لها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بلادنا, وللأسف إذا كانت من أعلى مسئول فيها, رئيسها, وهذا إن دل على شيء فإنما يدلنا على صدق ما تنبأ به النبيُّ r حينَ قال: كَيْفَ بِكُمْ إِذَا فَسَقَ فِتْيَانُكُمْ وَطَغَى نِسَاؤُكُمْ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ ذَلِكَ لَكَائِنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَشَدُّ مِنْهُ، كَيْفَ بِكُمْ إِذَا لَمْ تَأْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ ذَلِكَ لَكَائِنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَشَدُّ مِنْهُ، كَيْفَ بِكُمْ إِذَا رَأَيْتُمُ الْمُنْكَرَ مَعْرُوفًا، وَالْمَعْرُوفَ مُنْكَرًا؟
كل ما يُقال عن الهيئة من قولِ سوء أو تهمةٍ باطلة أو إشاعةٍ مغرضة يصُبُّ في مصلحة دعاة التغريب في مجتمعنا المحافظ المسلم, الذين يريدون تعطيلَ دورِ الهيئة وتفريغَها من محتواها. فما المطلوبُ مِنَّا؟ المطلوب أن نقف صفاً واحداً في وجه من أراد المساس بهذه الشعيرة عموماً وبجهاز الهيئة على وجه الخصوص, وأن ندعمَ أعضائَها المخلصين دعاءً لهم ونشراً لمحاسن أفعالهم ولجهودِهم المباركة على الواقع والتي لا ينكرها إلا غِرٌّ مكابر, ورفضاً لأي تصرف يُلغي الهيئة ويقلّصُ دورَها ويُهمِّشُهَا لأن هدف المفسدين أن يعيشَ الناس بلا راقبٍ شرعي ولا مصلحٍ تقي.
نسأل الله تعالى أن يصلح ما فسد, ويهدي من فسد, وأن يوفقنا وإياكم لإقامة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أنفسنا وأهلينا ومجتمعنا ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق