الاثنين، 20 مايو 2013

خطبة بـ عنوان : "الحذر من الإستهزاء بالسنة"

       عباد الله,
مُحمَّـدٌ زِينَةُ الدنيَـا وبَهجَتُهَـا         فَاضَت عَلَى النَّاسِ والدُّنيَا عَطَايَاهُ
مُحَمَّـدٌ رَحْمَـةُ الرحْمَنِ نَفحَتُهُ          مُحمَّدٌ كَمَ حَـلَاَ فِي اللَّفْظِ مَعنَاهُ
المُصطَفَى المُجتَبَى المُحمودُ سِيِرَتَهُ           حَبيبُ رَبِّـكَ يَهوَانَـا ونَهْـوَاهُ
اللهم صل وسلم على سيدِنَا محمد وآلِهِ وصَحبِه.
عباد الله, عَظّم الله شأن نبيَّهُ مُحمَّداً r, وَعَظَّمَ شَأنَ مَا جَاءَ بِهِ, وَنَحنُ نَتَشَرَّفُ بانتمائِنَا لِحزْبِ مُحَمَّدٍ r وهَدي مُحمَّدٍ r وَهَذَا الِانتماءُ لَهُ حَقٌّ, هو حَقُّ التوقيرِ والمتابعة, فمَنْ جَمَعَ بينَ الحُبِّ وَالمتابَعَةِ فقد أدّى حَقَّ هَذَا الِانتماء وإلّا كَانَ انتماؤُهُ اِدِّعَاءَاً, وَكَانَ مُقصِّرَاً, وهناك أقوامٌ بَينَنَا لَا يُتَابِعُ مُحمَّدَاً r ولَاَ يتَّخِذهُ قُدوَةً مع أنَّ اللهَ تعالى قَالَ{لَقَدْ كَانَ لَكُم فِي رَسُولِ اِلَلَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة} وَقَالَ{وَمَا آتَاكُم الرّسولُ فَخُذُوه وَمَا نَهَاكُم عَنهُ فَانتَهُوا} ولَا يَكتفي الهَاجِرُ لِمُحمَّدٍ r بهَذَا بَل تَرَاهُ يَسخَرُ من سنتِهِ, ويسخَرُ من أتباعِ مُحمَّدٍ, المُنتسِبينَ لِمَدرَسَتِهِ, المُتمسِّكينَ بِسُنتِهِ.
وتَأمَّلُوا قولَ الحقِّ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ. وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ. وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ. وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ} هُم لَم يَنتَقِصُوا أشخَاصَ المؤمنين وإنَّمَا انتقَصُوا استقامَتَهُم على الِإيمانِ والسنّة, فهم يَسخَرونَ من الوحي الذي جَاءَ من عِندِ اللهِ {وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ. فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ. هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}ومَوقِفٌ أُخرويٌّ آخَر يُبيِّنُ لنَا عَاقبةَ الساخرين بأهلِ الِإيمانِ والسنّةِ, أهلُ النَّارِ وَهُم يَصطَرِخُون فيهَا يَقولونَ {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ – فيُجيبُهُم اللهَ – : اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ – لِمَاذَا يَا رَبّ – : إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ: رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ. فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ – هم يَسخَرُونَ مِنْ حَالَةِ المؤمنينَ حِينَ يَتَّخِذُونَهُم سِخْرِيَّاً, يهزؤون بِحَالِهِم حينَ يرونَهُم يَدعونَ رَبَّهُم فَقَالَ اللهُ: إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ} هَذَا الجزاءُ حَقٌّ لَاَ رَيبَ فِيه فاختاروا عباد الله أَيَّ الفريقين؟ فريقَ المستهزئينَ الساخرينَ المُعَذَّبين أم فريقَ المؤمنينَ المتأدبينَ المُتَّبِعِين؟
عباد الله, والبعضُ لَم يَكتَفِ بعدمِ المتابعَةِ والتجرؤِ على المُلتَزِمِينَ بَل تَجرّأَ إلى انتقاصِ الوحيِّ الذي جَاءَ بِهِ صَاحِبُ السُّنّةِ r, فيَهزَأُ بالسنَّةِ القوليةِ الثابِتَةِ عَنِ رسولِ اللهِ, ويَسخَرُ من أحاديثِهِ, وهَذَا سَبَبٌ لنقمةِ اللهِ العاجلة, وتَأمَّلُوا هذِهِ القصة:
كَانَ في أصحابِ الحديثِ رَجلٌ خليعٌ سَمِعَ حديثَ النبيِّ r: إنَّ الملَائِكَةَ لتضَعُ أجنِحَتَهَا لطالِبِ العِلمِ رِضَاً بِمَا يَصنع فَجَعَلَ الماجِنُ في عَقِبَيه مساميرَ حديد وقَالَ: أريدُ أن أطَأَ أجنحةَ الملَائكة, فَأصابَهُ اللهُ بِأَكَلَةٍ في رِجليه, شُلَّت بِهَا رِجلَاهُ ويَدَاهُ وسائِرُ أعضائِهِ. وَمِثلُهُ رَجُلٌ سَاخِر خَرَجَ مَعَ بعضِ المُحدِّثينَ في البصرةِ فَقَالَ: اِرفعُوا أرجلَكُم عن أجنحَةِ الملَائِكَةِ لَا تَكسِرُوهَا كَالمُستهَزِئِ بِحَديثِ النبيِّ r فَمَا تَمَّ كَلَامَهُ حَتى جَفَّت رِجلَاهُ وسَقَط {وَالَّذِينَ يُؤذُونَ رَسُولَ الَلَّهِ لَهُم عَذَابٌ أَلِيم}.
ذَكَرَ هذه القصةَ أبو عبدِالله التيميُّ في شَرحِهِ على مُسلِم, وَذَكَرَ أيضاً أنَّ بعضَ المبتدعةِ سَمِعَ قولَ النبيِّ r: إذا استيقَظَ أحدُكُم من نَومِهِ فَلَا يَغمِس يَدَهُ في الِإِناءِ حتى يَغسِلَهَا فإنَّهُ لَاَ يَدري أينَ باتت يدُهُ؟ فَقَالَ المُبتدع مُتَهَكِّماً: أنَا أَدرِي أينَ بَاتَت يَدِي في الفِراش. قَالَ: فأصبَحَ يَومَاً وَقَدْ أَدْخَلَ يَدَهُ في دُبُرِهِ إلى ذِرَاعِهِ. قَالَ التّيمي: فَليَتَّقِ المرءُ الِاستخفافَ بالسُّنَنِ, ومواضِعِ التوقيف, وانظُر كيفَ وَصَلَ إليهما شؤمُ فِعلِهِمَا.
وَهَكَذَا يَا عباد الله مَنْ يُحَاوِلُ إعمالَ عَقلِهِ القاصِرِ في استيعابِ نُصوصٍ غيرِ معقولَةِ المعنى هَذَا غيرُ مطلوبٍ مِنك, المطلوبُ الَأدبُ مع الوحيِّ فتُؤمِنُ وتُسَلِّمُ وتَقول: سَمِعنَا وَأَطَعنَا غُفرَانَكَ رَبَّنَا وَإِليكَ المَصير. فَاللهم ارزقنا الَأدَبَ مع سيدِنا رسولِ الله, والَأدبَ مع سنتِهِ, والَأدبَ مع أمرِهِ ونَهيهِ, اللهم ارزقنا متابعتَهُ ومَحبَّتَهُ ..
عباد الله, في خِضَمِّ هذِهِ التقنيةِ المُتَسَارِعَةِ في وسائِلِ التواصُلِ يتناقَلُ النّاسُ بينَهُم روابِطَ وَمواقِع ومَقالَاتٍ ومقاطِع, لَاَ يَخلُو بعضُها من رائحةِ الِاستهزاءِ بِسُنَّةِ النبيِّ r وبعضِ أحاديثِهِ وبعضِ أَوَامِرِهِ أو السخريةِ بالمُلتزِمينَ بالسُّنة, واسمَعُوا مَاذَا يَقولُ رَبُّكُم؟ {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} فاحذر يا أخِي إِذَا وَصَلَكَ شَيءٌ مِنْ هَذَا أن تَرتَاحَ لَه أو تَحكِيَهُ لغيرِكَ عَلَى وَجهِ الطُرفَةِ والدُّعَابَةِ أو تَنقُلَهُ لغيرِك, إنَّكَ إن فعلتَ كُنتَ أنتَ والمُصدِّرُ لَهُ سَواءً في الحُكم والِإثْم {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}.
إذن مَا المطلوبُ مِنك؟ أنكِر أشدَّ الِإنكار, وحَذِّر مِنه, وكُنَّ ذَابَّاً مُدَافِعَاً عن السنة, وصاحِبِ السنة, وأهلِ السنة حَتى يَحشُرَكَ اللهُ مَعَهُم في مَقعَدِ صِدْقٍ عندَ مَليكٍ مُقتَدِر, اللهم أحينا على الِإسلَام والسنّة, وتوفنا على الِإيمان والسنّة ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق