الاثنين، 20 مايو 2013

خطبة بـ عنوان : "مخالفة الكفار"

عباد الله, اليومُ التاسِعُ من المُحرَّم وغداً عاشوراء, وقَدْ عَزَمَ النبيُّ r أن يَصومَ هذا اليومَ مع غَدٍ فَقَالَ r في سَنَةِ وفاتِهِ: إِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ, يعني مع العاشِر, فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ r, لَكِنَّهُ نَدَبَ النَّاسَ بقولِهِ. حَتّى قَالَ ابنُ عبّاسٍ y فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ: خَالِفُوا الْيَهُودَ وَصُومُوا التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ.
لِمَاذَا يُضَافُ مع عاشوراء يَوم؟ هَذِهِ الِإضافَةُ تأصِيلَاً لقاعِدَةٍ عظيمةٍ من قواعِدِ الِإسلَامِ هِيَ مخالفةُ أهلِ الكتابِ وَالمشركين. هَذِهِ القاعدةُ دَلَّت عَليهَا أدِلةٌ كثيرةٌ من كتابِ اللهِ وسُنَّةِ رسولِهِ r, قَالَ تَعَالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} وَيَقولُ النبيُّ r خَالِفُوا الْيَهُودَ, وتَارَةً يَقول: خَالِفُوا أَهْلَ الكِتَاب. وتَارَةً يَقولُ: خَالِفُوا المُشْرِكِين. وتَارَةً يَقول: خَالِفُوا الْمَجُوسَ. بَلْ أورَدَ أهلُ العلمِ أكثرَ من مائةِ دَليل في الَأمرِ بالمخالفة حتى قَالَتِ اليهود: مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ يعني النبيَّ r .. مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ. وَهَذَا يَدُلُّ – كَمَا قَالَ ابنُ تَيميّة – عَلَى أنَّهُ r خَالَفَهُم في عَامَّةِ أمورِهِم حتى قالوا هَذِهِ المَقالَة.
عباد الله, لِمَاذَا كُلُّ هَذَا؟ لِمَاذَا هَذِهِ المخالَفَة؟ قَالَ أهلُ العِلم:
أَوْلَاً: تَمييزاً لِلحَقِّ وأهلِهِ عَن الباطِلِ وأهلِهِ, فَمُخَالَفَةُ المشركين فيما هُوَ مِنْ خَصَائِصِهِم يُظهِرُ التبايُنَ بينَ المؤمنينَ والكافرين في الظَّاهِرِ ويَدُلُّ عَلَى هَذِهِ العِلَّةِ أنَّهُ لَمَّا قِيلَ للنبيِّ r إِنَّ الْيَهُودَ تُعَظِّمُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ, وَتَتَّخِذُهُ عِيدًا قَالَ r: صُومُوهُ أَنْتُمْ فُرْقَانَاً بينَنَا وبينَهُم في الهَدْيِ فَهُم يَتَّخِذُونَهُ عِيدًا ونَحْنُ نَصومُهُ, ونَصومُ يَومَاً قَبْلَهُ أو بَعْدَهُ.
ثانياً: هَذِهِ المُخَالَفَة تَربيَةً لِأفرادِ الَأُمَّةِ عَلَى شخصيَّةٍ خَاصَّةٍ بِهِم, وتربيةً لَهُم عَلَى نَبْذِ التبعيَّةِ والتقليدِ, وتَأكيداً لِاستقلَاليَّتِهِم عَنْ غيرِهِم بِمَبَادِئِهِم, فَموافَقَةُ الكفارِ تَنَازُلٌ عن المَبدَأ, وذَوَبَانٌ للشخصيّة, وفيهِ إِذلَالٌ لَنَا, وإِعزَازٌ لِمَا هُم عليهِ, ووَسِيلَةٌ لِافتخارِهِم وعُلوِّهِم حَيثُ يَرونَ المسلمين مُوَافِقِينَ لَهُم مُقَلِّدِين لَهُم لِذَا كَانَ من المُقَرَّرِ أنَّ الَأضعَفَ دائِمَاً يُقَلِّدُ الَأقْوَى, فَهِمَ الصحابَةُ هَذَا المَعنى فَلَمَّا عَلِمُوا صيامَ اليهودِ لِعَاشُورَاء مَعَ صِيَامِهِم مُبَاشَرَةً سَألُوا رسولَ اللهِ r فُقَالُوا: اليهودُ يَصومونَ هَذَا اليوم؟ كَأنَّهُم يقولوا: أنتَ يَا رسولَ الله عَلّمتَنَا مخالفَتَهُم وَهُم الَآنَ يَصومُونَهُ فَكيفَ نُخَالِفُهُم؟ ونَستَقِلُّ عَنهُم بدينِنَا ومَبَادِئِنَا؟ فأمرَهُم r بَأنْ يُصَامَ مع عاشوراء يَوم, قَبلَهُ أو بعدَهُ.
ثَالِثَاً: هَذِهِ المُخَالَفَة قَطْعاً لِمَادَةِ التَّشَبُّهِ بِهِم الذي يُؤدِّي إلى مُوَالَاتِهِم والميلِ لَهُم فَالموافَقَةُ في الظاهِرِ تَجُرُّ إلى مَحبَّتِهِم وتَعظيمِهِم والشُّعورِ القلبي بأنَّهُ لَاَ فَرْقَ بينَنَا وبَينَهُم لِذَا قَالَ النَّبِيُّ r: مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُو مِنهُم. قَالَ شيخُ الِإسلَامِ أقَلُّ أحوالِ هَذَا الحديث التحريم وإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ يَقتَضِي كُفرَ المُتَشَبِّهِ بِهِم. كَانَ الِإمامُ أحمدُ بنُ حنبل إذا نَظَرَ إلى نصرانِيٍّ أغمَضَ عَيْنَيهِ فَقِيلَ لَهُ في ذلك فَقَالَ: لَاَ أقدِرُ أَنْ أنظُرَ إلَى مَنْ اِفترَى عَلَى اللهِ وكَذِبَ عَليه. فَإِذَا كَانَ هذا مُجرَّدُ النَّظَرِ فَكيفَ بِمَنْ يَتَشَبَّهَ بِهِم ويُقَلِّدُهُم ويُحَاكِهِم ويَستَضِيفُهُم ويُبَاهِي بِهِم؟ لِيَحذَر مَنْ ابْتُلُوا بالتَّشبُّهِ بِهِم, واَبتُلُوا بالسيرِ في رِكَابِهِم, وابتُلُوا بالِإعجابِ بِمَا عِندَهُم ومُحَاكَاتِهِم فيهِ, لِيَحذَرُوا, ولِيَتَّقُوا اللهَ, وَليَعتَزُّوا بدينِهِم ولِيَحْمَدُوا اللهَ عَلَى نِعمَةِ الِإسلَام ولِيُطَبِّقُوا أحكامَهُ وتعاليمَهُ على أنفسِهِم فوالله لو طبّقنا دينَنَا كَمَا هُوَ, وكَمَا أرادَهُ اللهُ مِنَّا, وعَمِلنَا بأحكامِهِ, وربّينا أنفُسَنَا وأولَادَنَا عليه لَأعزَّنا الله, ولَبَلَغنَا القِمَّةَ في كُلِّ شيء, ولتصدَّرنَا الَأُمَمَ كُلَّهَا ولَكُنَّا أمَّةً قائِدَةً مُهَابَة وَكَانَ أعدائُنا تَبَعَاً لنَا, لَكن لَمَّا تَخلَّى المسلمونَ عن دينِهِم صَارُوا في المؤخِّرَة, وَصَارَت أمَّتُنَا مُنقَادَةً تابِعَةً لَا مَتبوعَة وحَسبُنَا اللهُ ونِعمَ الوكيل وَلَاَ حَولَ ولَا قوّةَ إلَّاَ باللهِ العليِّ العظيم
عباد الله, يَومُ عَاشوراء دَليلٌ أَنَّ اِتِّخَاذَ المُنَاسِبَاتِ أعيادَاً عَادَةٌ لليهودِ مِنذُ القِدَم, ولِذَلك اتَّخَذُوا عَاشوراء عِيداً كَمَا فِي حديثِ أَبِي مُوسَى قَالَ كَانَ أَهْلُ خَيْبَرَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَتَّخِذُونَهُ عِيدًا وَيُلْبِسُونَ نِسَاءَهُمْ فِيهِ حُلِيَّهُمْ وَشَارَتَهُمْ. رَواهُ مسلم. هَذَا عِندَهُم أمَّا هَذِهِ الَأُمَّة فَجَعَلَ اللهُ لَهَا عِيدينِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا, ومِنْ هُنَا تَعلمونَ أنَّ كُلَّ صورِ الَأعيادِ التي دَخَلَت عَلَى الَأُمَّةِ اليومَ هِيَ مِنْ وَاقِعِ التَّشَبُّهِ بالغير, فَليسَ من دينِنَا عيدُ الَأم ولَاَ عيدُ الحب ولَاَ عيدُ الميلَاد ونَحوُهَا, لَيسَتْ هَذِهِ من دِينِنَا فِي شَئ هِيَ ثَقَافَاتٌ مُستَورَدَة, وَبِدَعٌ مُحدَثَة {مَاَ أَنْزَلَ الَلَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ}.
فَاتّقوا الله عباد الله واَستلهِمُوا من عاشوراء دَرسَ مُخَالَفَةِ الكفار وَرَبُّوا أولَادَكُم عَلَى مُخَالَفَتِهِم, وَحُرْمَةِ التَّشَبُّهِ بِهِم وإلَّا كَانُوا بِهِم مُتَشَبِّهِين ولَهُم مُحبِّين, والمَرءُ يُحشَرُ مَعَ مَنْ أَحَب يومَ القيَامَةِ. فهَل يَرضَونَ أن يُحشَرُوا مَع مَنْ حَكَمَ رسولُ اللهِ r عَليهِم بالنَّار؟ ظَنِّي أَنَّهُم يَقولونَ: لَاَ نَرْضَى ..
اللهم احشرنا مع نبيِّنا وحَبيبِنَا مُحمَّدٍ, واجعلنا تَحتَ لِوَائِهِ, اللهم كَمَا جَمَعتَنَا فِي هَذَا المَكان فَاَجْمَعنَا عَلَى حَوضِهِ, واَسقِنا مِنهُ بِيدِهِ شربةً هنيئةً ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق