الاثنين، 20 مايو 2013

خطبة بـ عنوان : " قصة معاذ رضي الله عنه "

وَبعد, فأوصيكُم أيُّهَا النَّاسِ ونَفسِي بتقوَى اللهِ تعالى.
عباد الله, تأملوا هذه القصة التي حدثت إبان حياة النبي, قصة معاذ بن جبل, كان معاذٌ يصلي مع رسولِ اللهِ العشاء ثم يرجع فيصلي بقومه في بني سلمة فرجع ذات ليلة فصلى بهم، واستفتح بالبقرة وأطال عليهم, فانصرف أعرابي من الصلاة, قطع صلاته, فصلى منفرداً في ناحية المسجد وخرج, فلما صلّى معاذ ذُكِر ذلك له، فقال: إن هذا منفاق لأخبرَنَّ رسولَ اللهِ بالذي صنع. فغدا معاذ على النبي فأخبره بما صنع الأعرابي, فجاء الأعرابي وقال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا أَهْلُ عَمَلٍ وَشُغْلٍ, أَصْحَابُ نَوَاضِحَ يعني الإبل التي يُستقى عليها على الآبار, نَعْمَلُ بِالنَّهَارِ يتعبون طولَ النهار يعملون وَإِنَّ مُعَاذًا يُصَلي معَكَ الْعِشَاءَ ثم يأَتَى فَيصلي بنا ويفتتحُ بالْبَقَرَةِ يعني يُطيلُ علَى الناس الصلاةَ والقراءة, فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ عَلَى مُعَاذٍ فَقَالَ: يَا مُعَاذُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟يَا مُعَاذُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟ اقْرَأْ بالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالضُّحَى وَاللَّيْل. ثم قال للأعرابي: كيف تصنع يا ابن أخي إذا صليت؟ قال: أقرأ بفاتحة الكتاب، وأسأل الله الجنة، وأعوذ به من النار، وإني لا أدري ما دندنتك ولا دندنة معاذ, فقال رسول الله: إني ومعاذ حولها ندندن. الدندنة أن يتكلم الرجل بكلام تسمع نغمته ولا تفهمه, فكانَ معَاذ ينَال مِن الأعرابي ويتعرض له كونه منافق, فقال الأعرابي لرسول الله: يا رسول الله, سيعلم معاذ إذا قَدِم المشركون مَنْ المنافق؟وكان النَّاسُ يَتَجَهَّزُونَ إِلَى أُحُدٍ، فَخَرَجَ سُليم فاستشهد, كان من شهداء أحد الذين قال الله فيهم{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}فقالَ رسولُ اللهِ بعد ذلك لمعاذ ما فعل خَصْمِي وخَصْمُك؟ يقصد الأعرابي, قال: يا رسول الله صَدَقَ اللهَ وكذبتُ؛ استُشهدَ في سبيل الله.
عباد الله, في هذه القصة يربي النبي أصحابه على أمور كثيرة, نذكر أهمها: أولها, التيسير ورفع الحرج على الناس, غضب لما أطال معاذ على الناس الصلاة, وقال له: أفتّان أنت يا معاذ؟لا تمتحن الناس وتفتنُهُم عن دينهم, يؤكّد هذا المعنى أيضاً ما ثبت في الصحيح أنَّ رَجُلَاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنِ الصَّلاَةِ فِي الفَجْرِ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا فُلاَنٌ فِيهَا، يترك الصلاة مع الجماعة لأجل إطالة الإمام, هذه فتنة في الدين فَغَضِبَ النبيُّ غضباً مَا رُئي أَشَدَّ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَمَنْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيَتَجَوَّزْ، يعني فليخفف, فَإِنَّ خَلْفَهُ الضَّعِيفَ وَالكَبِيرَ وَذَا الحَاجَةِ. يخفف تخفيفاً لا يخل بأركان الصلاة وآدابها كل هذا مراعاةً للكبار والضعفاء وذوي الحاجات والأشغال, هذه سنةُ محمد هذه الشريعةُ السمحة, التخفيف والتيسير قال النبي: يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا. وفي رواية: وَسَكِّنُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا.هي رسالة نوصلها بلطف وأدب لكل إمام أن يجمع الناس حوله ولا ينفرهم عنه, فإن منهم منفرين ينفر الناس عن المسجد والجماعة والصلاة في بيوت الله إما لجهله بالسنة أو لحماسه الزائد الغير موجه توجيهاً علمياً.
ثم لابد أن تعلموا أنَّ التخفيفَ المرادَ يكون بقدر, لا تفريط معه ولا إخلال فيه, وسط بين الإفراط والتفريط, بعض الناس يفهم أن التخفيف نقرُ الصلاة كالغراب بلا طمأنينة ولا خشوع ولا استحضار الموقف بين يدي الله, هذا أيضاً مخالفٌ للسنة, هذا هو والمطيل سواء, المسابقة بإنهاء الصلاة أو خطبة الجمعة, وكأننا في مضمار سباق مخالف لهدي النبي, وتدبروا قول الله تعالى لنبيه{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ}قال {فأقمت لهم} يدلك على أن الإمام ينبغي أن يعتني بصلاته أكثر, ويعتني بحال المأمومين, لأنه لا يصلي لنفسه بل يصلي لمن خلفه من المأمومين أيضاً.
وأصل آخر مستفاد من القصة خُلُقُ النبي وسماحةُ نفسِهِ وسَعَةُ صدرِهِ, لاطَفَ الرجلَ وتكلّم معه بلينٍ ورِفق, ولَم يُعنفه ولَم يَجرحه ولَم يَتهمه في دينِهِ مع أنَّ الرجلَ قطع صلَاته عن جماعةِ معاذ, بل على العكس أغلظ القولَ لمعاذ لأنه سببُ مَا حَصَل, تربيةٌ نبوية في معالجةِ المواقف وإدارةِ الأزمات, الأعرابي يقول: يا رسول الله, أقرأ بفاتحة الكتاب، وأسأل الله الجنة، وأعوذ به من النار ولا أدري ما دندنتُكَ ولا دندنةُ معاذ, يُشِيرُ إِلَى كَثْرَةِ دُعَائِهِمَا وَاجْتِهَادِهِمَا فِي الْمَسْأَلَةِ فيقول له النبي بخفة ودعابة: إني ومعاذ حولَهَا ندندن. فخذوا من أخلاق نبيكم أيها الدعاة والمعلمون والمربون, لا تعنفوا الناس, لا تتهموهم, ولا تغلظوا عليهم لمجرد أخطاءٍ غير مقصودة, اسمعوا منهم احتووهم صححوا أخطائهم برفق تحبَّبُوا لهم حببوهم في الدين, اِقتدوا بنيكم وكفى, اللهم ارزقنا التأسي بنبينا في أخلاقه وسننه وشمائله, اللهم اجعلنا في القيامة بمعيته, واحشرنا بالموقف في زمرته, وأكرمنا بشفاعته, وأوردنا حوضه, واسقنا بيده شربة هنية مريئة لا نظمأ بعدها أبدا ..
عباد الله, وأصلٌ ثالث يُستفاد من القصة, أن العبرة بالخواتيم, لا نحكم على الناس بظواهرهم ونكتفي, إذا رأينا عاص أو فاسق فلا يمنعنا فسقُهُ وعصيانُهُ من دعوته الى الله وفتح باب التوبة والرجاء, قال النبي: لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَعْجَبُوا بِأَحَدٍ، حَتَّى تَنْظُرُوا بِمَ يُخْتَمُ لَهُ، فَإِنَّ الْعَامِلَ يَعْمَلُ زَمَانًا مِنْ عُمْرِهِ، أَوْ بُرْهَةً مِنْ دَهْرِهِ، بِعَمَلٍ صَالِحٍ، لَوْ مَاتَ عَلَيْهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ فَيَعْمَلُ عَمَلًا سَيِّئًا، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ الْبُرْهَةَ مِنْ دَهْرِهِ بِعَمَلٍ سَيِّئٍ، لَوْ مَاتَ عَلَيْهِ دَخَلَ النَّارَ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ فَيَعْمَلُ عَمَلًا صَالِحًا، وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ؟ قَالَ: يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ، ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ.
الأعرابي اتهم بالنفاق لأنه قطع الصلاة وخرج منها لكن قال لرسول الله سيعلم معاذ إذا قَدِم المشركون من المنافق؟ وكان النَّاسُ يَتَجَهَّزُونَ لأُحُدٍ، فَخَرَجَ فكانَ في الشُّهَدَاءِ, فقال رسول الله بعد ذلك لمعاذ: ما فعل خَصْمِي وخَصْمُك؟ فيعترف معاذ بالحقيقة التي  غابت عنه لموقف بسيط: يا رسول الله, صَدَقَ اللهَ وكَذبتُ؛ استُشهد.
قَالَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ: لَا أَقُولُ فِي رَجُلٍ خَيْرًا وَلَا شَرًّا حَتَّى أَنْظُرَ مَا يُخْتَمُ لَهُ بَعَدَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنَ النَّبِي قِيلَ: وَمَا سَمِعْتَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: لَقَلْبُ ابْنِ آدَمَ أَشَدُّ انْقِلَابًا مِنَ الْقِدْرِ إِذَا اجْتَمَعَتْ غَلْيًا.فلا نحكم على أي إنسان بظاهر فعله فلربما كان بينه وبين ربه حسناتٌ مطوية وأسرارٌ مخفية لا يعلمها إلا الله, فيُختَمُ له بالحسنى. اللهم إنا نسألك حسن الخاتمة, اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق