عباد الله, قال الله تعالى محذراً عباده المؤمنين: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} مخالفة الرسول r أصل كل فشل في حياتنا, أصل كل هزيمة, أصل كل فتنة, أصل كل بلية {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أَيْ: فَلْيَحْذَرْ وليخْشَ مَنْ خَالَفَ شَرِيعَةَ الرَّسُولِ بَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا {أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} أَيْ: فِي قُلُوبِهِمْ، مِنْ كُفْرٍ أَوْ نِفَاقٍ أَوْ بِدْعَةٍ، {أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أَيْ: فِي الدُّنْيَا، بِقَتْلٍ، أَوْ حَدٍ، أَوْ حَبْسٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.
كلامٌ مُهمٌ وخَطير, وخذوا مثالاً واحداً حصَل لجيلِ الصحابة, حصل لخيرِ القرون, في غزوة أُحُد النبيُّ r يأمر طائفةً من أصحابه بالبقاء على جبل صغير يُشرف على أرض المعركة ويؤمّرُ عليهم عبدَالله بنَ جُبير, ويقول لهم: احْمُوا ظُهُورَنَا، فَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نُقْتَلُ فَلا تَنْصُرُونَا، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نَغْنَم فَلا تَشْرَكُونَا أي تشاركونا في جمع الغنائم. كلماتٌ صريحةٌ واضحةٌ من النبي r لكن الرماةَ عفا الله عنهم خالفوا أمرَ النبي r, فبعدَمَا ظنوا أنّ المعركةَ حُسِمَت للمسلمين, ورأى الرماةُ المسلمين يجمعون الغنائم نزلوا وتركوا مواقِعَهُم وهم يَقُولُونَ: الغَنِيمَةَ الغَنِيمَةَ, وأميرُهُم ابنُ جبير يمنعهم ويذكرُهم أمرَ النبيّ r لكن دونَ جدوى فخالفوا فكانت الهزيمة وانكشَفَ المسلمون والتفَّ المشركون عليهم, فاستشهد سَبْعُونَ منهم, وأُدْمِيَ وَجْهُ النبيّ r وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ, وهُشِمَتِ خَوذَتُهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَرُمِيَ رَمْيَةً عَلَى كَتِفِهِ ودَخَلَ فِي وَجْنَتَيْهِ حَلْقَتَانِ مِنْ الْمِغْفَرِ, وحَلَّ البلاءُ والغَم, وكان الفشلُ الذريع بنصّ القرآن قال تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ أَيْ: تَقْتُلُونَهُمْ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}.
عباد الله, إذا كان هذا العقابُ لمخالفةِ أمرٍ واحدٍ للنبي r إذَا كَانَ هَذَا كُلُّهُ بسببِ مخالفةِ أمرٍ واحِدٍ للنبيّ r فَكيفَ بِمَن يَرتَكِبُ في اليومِ الواحِدِ عدةَ مخالفات للنبيِّ r؟ كيفَ بِمن يرتكِبُ في الليلةِ الواحدةِ عِدَّةَ مخالفات للنبي r؟
سنن الله لا تتغيّر, فمن خالف أمرَ النبي r كانت النتيجةُ سيئة.
من صور المخالفةِ لرسول الله r: بعض الناس تقول لهم هذا قول الرسول r وهذا أمره وهذا نهيه فيقول لك: لكن قال العالم الفلاني كذا .. وقال المفتي الفلاني كذا .. تقيم عليه الحجة بقول النبي r الصحيحِ الصريح فيرده بقول فلان وفلان .. اسمعوا ما يقولُهُ ابنُ عباس يقول: يُوشك أن تنْزلَ عليكم حجارةً من السماء. أقول: قال رسول الله r وتقولون: قال أبو بكر وعمر. انتقد عليهم أنهم يحتجون عليه بقولِ أبي بكر وعمر وهما من هما؟ بعدما تبيّنت لهم السنةُ الصحيحة. ومثلُهُ قولُ الإمام أحمد: عَجِبتُ لقومٍ عَرَفُوا الإسنادَ وصحتَهُ يذهبونَ إلى رأي سفيان الثوري، والله تعالى يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. ومن صور مخالفة الرسول r أنَّ البعضَ يُهوّن مِن قَدرِ السنن, إذا عَلِمَ أن هذا العملَ سنةٌ تَرَكَهُ وأهمَلَه بل ونشَرَ بين الناس أنه سنّة ليهوّن من أمرِهِ ولا يُحرّص غيرَه عليه, يُميتونَ السننَ في أنفسِهِم, فأيُّ ارتباطٍ لهم برسولِ الله r؟
فاتقوا الله عباد الله, وفتشوا في أنفسكم, ما موقِفُنا من أوامِرِ النبيّ r ونواهيه؟ إن كنّا نريدُ حياةً مطمئنةً كُلَّهَا توفيقاً وأمناً وتيسيراً وتمكيناً فلنراجع أنفسَنا بصراحةٍ وصدق, لنصلح ما بيننا وبين اللهِ بطاعةِ رسولِهِ r وتطبيقِ أوامره واجتنابِ نواهيه, إن فعلنا فقد حققنا النجاح في حياتنا الدنيوية والأخروية {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}. اللهم وفقنا لطاعتك وطاعةِ رسولك, اللهم آت نفوسنا تقواها ..
عباد الله, مخالفة الرسول r أصلُ الفشل في حياتنا, يقول r: مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهَا. جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ يَقَعْنَ فِي النَّارِ وَجَعَلَ الرجلُ يَحْجِزُهُنَّ أي عن الوقوع في النار, وَيَغْلِبْنَهُ ويتقحَّمن فِيهَا. قَالَ: فَذَلِكَ مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ، أَنَا آخِذٌ بحجزِكم عَنِ النَّارِ هَلُمَّ عَنِ النَّارِ هَلُمَّ عَنِ النَّارِ أي ابتعدوا عنها, فَتَغْلِبُونِي وَتَقْتَحِمُونَ فِيهَا. النبيُّ r يريدُ سعادتَنا وراحتَنا وصلاحَ أحوالِنا وتحقيقَ أمنياتِنا بشرطٍ واحد أن نطيعَه فيما أمر, ونجتنبَ ما عنهُ نهى وزَجَر, وأن نعبُدَ اللهَ حَقّاً بما شرع, فليحقق كُلٌّ منّا هذا الشرط وسيَرى أثرَهُ في حياتِهِ في سعةِ رزقه في تيسيرِ أمره, في قضاءِ حوائجه في نجاحِ مشاريعِهِ, بل حتى في نصرةِ المسلمين في كُلِّ مكان.
اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاةً وسلَاماً كثيراً مزيداً إلى يومِ يُبعثون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق