عباد الله, أصلٌ عظيمٌ من أصولِ ديننا يَجبُ على كل مسلم أن يعتقده وهو أنه لا يعلم الغيب إلا الله, يقول الحق تبارك وتعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَاَ يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ}. فما المراد بمفاتح الغيب في الآية؟ يخبرنا عنها نبينا فيَقولُ في الحديثِ الصحيح: مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله {إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلاْرْحَامِ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ} أصل من أصول ديننا, الغيب لا يعلمه الإ الله. وهناك قضية مهمة لابد أن تعلموها أن المتدبّر لآيات القرآن يجد أنه لا جدوى من محاولة معرفة الغيب، إذ هذا علمٌ مختص بالله علّام الغيوب، ولا سبيل لمعرفته بأي طريقة كانت قال تعالى:{قُلْ لَاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِى كَفَرَ بِـئَايَـٰتِنَا وَقَالَ لاَوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً. أَطَّلَعَ ٱلْغَيْبَ أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً} في هاتين الآيتين دليل قاطع على عدم إمكانية الإنسان الإطلاع على الغيب لكن لحكمةٍ يعلمها الله قد يُطلِعُ اللهُ بعضَ رسله على بعض الغيب كما قال تعالى: {عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً. إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ}.
عباد الله, كما تقدم مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله {إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلاْرْحَامِ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىّ أَرْضٍ تَمُوتُ} هذه الآية كلنا يقرؤها ويرددها ويعرفها الصغارُ قبل الكبار لكن ما معناها؟ ومامقتضاها؟ وما أثرُها على سلوكنا وإيماننا؟ لو عقِلنا معناها وآمنا بمقتضاها لَمَا سمعنا من يجادل في آيات الله فيقول: تمكن العلم من تحديد وقت نزول المطر، وتمكن الطب من تحديد نوعية الجنين ذكر أم أنثى فكيف يقول الله: {وَيُنَزّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلاْرْحَامِ}؟ صدق الله {ومِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَـٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَـٰبٍ مُّنِيرٍ}. لنرجع إلى الآية قوله تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ} أي أنَّ علمَ وقتِ الساعة مختص بالله سبحانه فلا يعلم أحدٌ بوقتها سواه تعالى لا مَلَكٌ مقرّب ولا نبيٌ مرسل، كما قال تعالى: {يَسْـئَلُكَ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱلسَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ} وقال في موضع آخر: {لاَ يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ}.
ونحن نعلم أن الله تعالى بعد خَلقِهِ للسموات والأرض خلق الصور فأعطاه إسرافيل عليه السلام فوضعه على فمه وشخص ببصره إلى العرش ينتظر متى يؤمر بالنفخ فيه, فإذا كان إسرافيل المَلك المكلَّف بالنفخ بالصور إيذاناً ببدء القيامة لا يعرف موعدها، إذا كان هذا هو حاله فكيف بأي منجم أو دجال أو أفاك أو أي حضارة قديمة أو حديثة تقول: إن الساعةَ ستقوم في يوم كذا في شهر كذا في عام كذا أو نهايةَ العالم في يوم كذا في تاريخ كذا كلها والله أكاذيبٌ ودَجَل.
قوله تعالى:{وَيُنَزّلُ ٱلْغَيْثَ} يختصّ الله تعالى بمعرفة وقتِ إنزال المطر ومكانه المعيّن. أما نشرة الأرصاد الجوية في أيامنا فتعتمد على بعض الحسابات, وما ترصده بعض الأجهزة المخصصة لمعرفة نسبة الرطوبة وسرعة الرياح فليس ذلك غيباً. هو تخمينٌ وظن. وقد يحدث نقيضه كما أن معرفته تكون قبل مدة قريبة, يُلاحَظُ فيها اتجاهاتُ الرياح والمنخفضاتُ وغيرُها. ورغم هذا فنحن نسمع دائماً.. يتوقع الفلكيون نزول الأمطار، ويقولون الفرصة مهيأة لنزول الأمطار. وتتجمع الغيوم في السماء، وتُنذرُ الحالة بأن المطر سينزل ويستنفر الناس والأمن ولكن في اللحظات الأخيرة يأمر الله الرياح كيف يشاء فتذهب بهذه الغيوم القاتمة دون أن تنزلَ منها قطرةً واحدة. فنزول المطر لا يعلم وقتَهُ إلا اللهُ وحده, حتى قال بعض العلماء: من قال : إن الغيثَ ينزل غدا وجزم به فهو كافر. المطر لا يستطيع أحدٌ أن يتنبأ بنزوله جزماً, أو أن يقوم بإنزالِهِ مهما بلغ علمُه. وأيضاً في المقابل لو اجتمعت البشريةُ كُلُّها على منع نزوله في مكان ما لم ولن يستطيعوا أبداً.
قوله تعالى: {وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلاْرْحَامِ} بعض الناس يقولون الطب توصل إلى تحديد نوع الجنين ذكراً كان أو أنثى، ومن قال إن هذا هو المقصودُ بالآية؟ علماء المسلمين من المفسرين لم يقولوا بهذا، بل الإمام القرطبي المفسر ومنذ مئات السنين قال: قد يُعرف بطول التجارب أشياء من ذكورة الحمل وأنوثته إلى غير ذلك. إذن فمعنى ما في الأرحام ليس المقصود منه هل المولود ذكر أم أنثى بل معناه أوسع من ذلك بكثير, معنى: ما في الأرحام حياةُ المولود من لحظة ولادته إلى لحظة وفاته هل هو شقي أم سعيد؟ طويل أم قصير؟ ما لونه؟ هل هو صحيح أم مريض؟ ما عمره؟ كم سيعيش؟ ماذا سيفعل؟ ما الأحداث التي ستقع له؟ بمن سيتزوج؟ ما رزقه؟ وهكذا.. فمن يعلم مثل هذه الأمور غيرَ الله؟ هل يستطيع أحد من البشر أن يدعي هذا العلم؟ لا يستطيع ولكن اللهَ يستطيعُ ذلك, وقد فعل, فالله كتب مقادير الخلق وأرزاقهم وآجالهم قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة {إِنَّ ذٰلِكَ فِى كِتَـٰبٍ إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ}.
قوله تعالى: {وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً} أي لا تعلم نفس ماذا تكسب في الغد من خير أو شر في دنياها وأخراها. لماذا قال الله: ماذا تكسب غدا؟ ولم يقل ماذا تعمل؟ لأن كل إنسان يعلم ماذا سيعمل في غده, كل إنسان يرسم له جدول أعمال, لكنه لا يدري أيكسب فيه أم لا؟ أيحصله أم لا؟ فقال تعالى{وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً}
قوله تعالى: {وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىّ أَرْضٍ تَمُوتُ} من يعلم عن ساعة موته؟ وأين ستكون؟ لا علمَ لأحدٍ بذلك. رُوي أن مَلَكَ الموتِ مَرَّ على سليمانَ فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه يديمُ النظرَ إليه. فقال الرجل لنبي الله سليمان: من هذا؟ قال: مَلَك الموت، فقال الرجل: كأنه يريدني، وسأل سليمان أن يحملَهُ على الريح لبلادِ الهند ففعل. ثم قال مَلَكُ الموت لسليمان: كان دوامُ نظري إلى الرجل تعجباً منه، لأني أُمرتُ أن أقبِضَ روحَهُ بالهند، وهو عندك. لهذا يقولُ النبيُّ: إذا أراد اللهُ قبضَ عبدٍ بأرضٍ جعل له إليها حاجة.
اللهم قو يقيننا وإيمانَنا, اللهم ثبت قلوبنا على الإسلام والسنة, ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة ..
عباد الله, ورغم هذه الآيات الصريحة في أن علم الغيب مختص بالله تعالى إلا أن هناك من يصادِمُهَا صراحةً ببعض كلامِ الكهنة والعرافين والدجالين الأفاكين ممن يُلبَّسُ على الناس بمهنِهِم وشهاداتِهِم فيقولون: قال الدكتور, وقال البرفسفور, وقال المفكر, وقال العالم الفلكي, يخدعون الناس بمسمياتِ وظائفهم وهم في الحقيقة كهنة دجالون مشعوذون مدعون الغيب. تقول أمنا عائشة: من زعم أن رسول الله يخبر بما يكون في غدٍ فقد أعظمَ على الله الفِرية, والله تعالى يقول: قُلْ لَاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ. فإذا كان رسول الله لا يعلم الغيب وهو من هو, فكيف بمن دونه ودونه ودونه؟ كيف نصدق هؤلاء الكذبة؟ من يصدقهم بادعائهم الغيب على خطر عظيم, إذ بمجرد سؤاله لهم والتماسِهِ مكانَهم لا تقبل صلاتُهُ أربعين ليلة, وبمجرد تصديقه انسلخ من دينه. قال: من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاةٌ أربعين ليلة. وقال: من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد. وقال: من أتى كاهناً، أو امرأةً في دبرها، أو كاهناً فصدقه. فقد برئ مما أنزل على محمد.
فاتقوا الله عباد الله واحذروا متابعة تلك الأكاذيب التي تدعي الغيب مما يرميه الأفاكون, ثِقوا بالله وحده, وصُونوا عقيدتكم وحافظوا عليها من الفساد أكثر مما تحافظون على صحة أبدانكم من الأمراض. فماذا يستفيد الإنسان إذا عاش سليم الجسم مريض العقيدة؟ صحة البدن مع فساد العقيدة خسارة في الدنيا والآخرة.
اللهم طهر قلوبنا من الشرك والشك والشقاق والنفاق وسيء الأخلاق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق