وَبعد, فأوصيكُم أيُّهَا النَّاسِ ونَفسِي بتقوَى اللهِ تعالى, ثُمّ اعلموا أنَّ نبيَّنَا مُحمداً r حذَّرنَا من فتنةٍ عظيمةٍ مَا تَرَكَ بَعْدَهُ أَضَرَّ منهَا عَلَى الرِّجَالِ إنَّها فتنةُ النساءِ التي غَرِقَ في طوفانِهَا خلقٌ كثيرٌ من عبادِ الله إلا من تداركه الله برحمته ولُطفِهِ, قَالَ اللهُ تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ..} بدأ اللهُ حُبَّ الشهواتِ بالنساء, لأنَّ الفتنةَ بهنَّ أشد, فالفتنة بهن تصُدُّ عن الدين, وتُضعِفُ الإيمان, ولربما أدت إلى سوءِ الخاتمة, لِتَعَلُّقِ القلبِ بها, يُحكى أنه كان بمصر رجلٌ يؤذّنُ للصلاة, عليه بهاءُ العبادة، فصعد المنارةَ يوماً للأذان وتحت المنارة كانت دارٌ لنصراني, فاطلع المؤذنُ فيها فرأى ابنةَ صاحِبِ الدار, فافتُتن بها وسلبَت لُبَّه فتَرَكَ الأذان ونزل إليها ودخل عليها فقالت: ما شأنُك وماذا تريد؟ فقال: أريدُكِ أنتِ، قالت: لماذا؟ قال: لقد سلبتِ لُبّي وأخذتِ بمجامع قلبي، قالت لا سبيلَ إلى هذا قال: أتزوجك قالت: أنت مسلم وأنا نصرانية وأبي لا يزوجني منك قال لها: إذاً أتنصَّر هذه هي الفتنة قالت: إن فعلتَ تزوجتُك فتنصّر المؤذنُ, ليتزوجَهَا ثم أقام معها ذلك اليوم في الدار, فلما كان أثناء ذلك اليوم صعد إلى سطح الدار فسَقَطَ منه فمات, ولَم يَقربها ولَم يَلمسها، فَخَسِرَ دُنياهُ وآخرَتَه. نسأل اللهَ العافيةَ والسلامةَ من الفتنة.
عباد الله, أعظمُ الفتنةِ حينَ تتَعرَّضُ المرأةُ للرجل فتثيرُ غريزتَهُ وتُؤَجِّجُ شهوتَهُ {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} الصالحونَ من عبادِ اللهِ لَم يَسلموا من تَعرُّضِ النساء لَهُم وهم في أعمالِهِم وخَلَوَاتِهِم وطرقاتهم, فماذا فعلوا؟ {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ}.
الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ التابعي الجليل الذي قال لَهُ ابنُ مسعود t: لو رآكَ رَسولُ اللهِ r لأحبَّكَ, كانَ قويّاً بالله عالماً بِهِ خائفاً منه مراقِباً له، وكانَ في بلده فسّاقٌ كثيرٌ تعاونوا على إفسادِ الناس فتجرؤا وقالوا نريدُ أن نُفسِدَ الربيع وتساءلوا ما الذي يُفسِدُهُ؟ فقالوا إحدى البغايا, ففعلوا, قالوا لبغي: لَكِ ألف دينار على قبلةٍ واحدةٍ من الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْم. قالت: لكم فوق هذا أن يزني ويفعل ويفعل. فتهيأت وتعرضَتَ له في مكانٍ خالٍ في طريقِهِ ثم سفَرَت عن لباسِهَا وهي بكامل زينتها فلمّا رَآهَا صَرَخَ فيها قائلاً: كيفَ بِكِ إذا نزلَت الحمى في جسَدِك فغيّرت فيكِ ما أرَى من لونِك وبهجتِك؟ أم كيفَ بِكِ لو نزَلَ مَلَكُ الموتِ وقطَعَ منك حبلَ الوريد؟ أم كيفَ بِكِ إذا جاءَكِ منكرٌ ونكيرٌ؟ قالوا: فصَرَختِ المرأةُ صرخةً عظيمةً وَسقَطَت مغشيّاً عليها, فلمّا أفاقت تابَتْ توبةً عظيمةً حتى أصبحت من الراهبات العابدات حتى لُقّبت بعابدةِ الكوفة. فقال أولئك الفَسقة: لقد أفسدها الربيعُ علينا. أرادوا فتنةَ الرجلِ الصالح بتلك المرأةِ البغي لكن اللهَ عَصَمَهُ منها, ومَنَّ عليها بالتوبةِ النصوحِ بسببِ موعظته فهل يَعِي هَذَا العملَ كُلُّ مَنْ تعرَّضَ لفتنةِ امرأةٍ؟ دخلت امرأةٌ جميلةٌ فتنَت الناسَ بجمالِها على رجلٍ صالح فتكشّفَت له, وأظهرتَ نفسَها, وَقالت: هل لك في فراشٍ وطيّ وعيشٍ رَخِيّ وجَسَدٍ طريّ؟ فأقبَلَ عليهَا باكياً وهو يقول:
وكَـم ذِي معاصٍ نَالَ مِنهُنّ لَذَّةً ومَاتَ فـَخَلاّها وذَاقَ الـــدواهِيَا
تصـرمُ لـذّاتُ المعاصي وتنقضِي وتبقى تَبِعَاتُ المعاصِي كَـمَـا هِيَا
فـيَا سوءَتَا واللهُ راءٍ وسامِــــعٍ لعبدٍ بعينِ اللهِ يَغشَــى المعَاصِيـَا
اللهم اعصمنا من شر الفتن .. إلخ
عباد الله, مَهمَا كَانَ الرجلُ قويّاً متماسكاً عابداً عالِماً فإنَّهُ أمامَ فتنةِ النساءِ ضعيف,
يَصْرَعْنَ ذَا اللُّبِّ حَتَّى لَا حَرَاكَ بِهِ وَهُنَّ أضْعَفُ خَلْقِ اللَّهِ إنسَانَا
يقولُ النبيُّ r: مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ. الرجل الحازم العاقل الذي يَغلِب ولا يُغلَب. ومع هذا النساء تُذهب بعقله وتَلعب بعواطِفِه وتُؤثِّرُ على شخصيتِهِ فيَصبُوا إليهِنَّ ويَكُن من الجاهلين, وهذا هو ما خَشِيَهُ النبيُّ يوسفُ u حين رأى النسوةَ قد أحاطوا به وكادوا به فقال: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ}.
فتنةُ النساء لا يدفَعُهَا إلّا الالتجاء بالله {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ} ومن السبعةِ الذينَ يُظلُّهُم اللهُ في ظلِّهِ يومَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ رَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ إِلَى نَفْسِهَا فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ, ثم بعد الالتجاء بالله البعدُ عن مواطن الفتنة, وعدم التعرض لها, فليتذَكَّر كُلُّ مَنْ تَعرَّضَت لَهُ امرأةٌ في طريقٍ أو سوقٍ أو مَقهًى أو على جَوالٍ أو في غرفةِ دردشةٍ أو نَحوِهَا فراودتهُ عن نَفسِهِ ودعتُهُ للفاحشةِ لِيَتذَكَّر اطّلَاعَ اللهِ عليه, وإحاطتَهُ بِهِ, وليتذكر أن الموت بغتة, وأن في القبر وحدة, وأن على الصراط زلة,
وإِذَا خَلَوْتَ بِريَبَةٍ فِي ظُلْمَــــــــةٍ وَالنَفْسُ دَاعِيَةٌ إِلى الطُغْيَانِ
فاسْتَحْيْ مِنْ نَظَرِ الإلَه وَقُلْ لَهَا إِنَّ الَّذِي خَلَقَ الظَّلاَمَ يَرَانِي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق