الجمعة، 10 مايو 2013

خطبة بـ عنوان : " الإشاعة والتعامل معها "

وبعد, فيا عباد الله, كلنا يعلم قصة الإفك, حين اتُّهِمَ النبيُّ r في عرضِهِ الشريف, في زوجته الطاهرة أمِّ المؤمنين عائشة, حَدَثٌ عظيم أرَّقَ النبيَّ r وآلَهُ فترةً من الزمن حتى كشفه الله وأبان إفك الأفاكين لكن قال اللهُ لنبيّهِ: {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَخَيْرٌ لَكُمْ} من فوائد حادثة الإفك: كيفيةُ التعامل الشرعي مع الإشاعة, كيف نتعامل معها؟ وما موقفنا من الإشاعات التي تُنقل لنا يومياً ونَسمعُها يومياً ونقرؤُها يومياً؟
إنَّ حادثةَ الإفكِ تؤدبنا بعدة آداب في التعامل مع الشائعات الجارحة في حق ذوي الفضل, ذكر الله تعالى هذه الآداب في معرض سرده للحادثة في سورة النور فلنستعرضها:
الأدبُ الأولُ في قولِهِ تعالى: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} هذا هو الأدب الأول في التعامل مع الشائعة.. لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا. قيسوا هذه الشائعة على أنفسكم هل أحد سيرضى أن يُتكلم فيه؟ويُتهم؟ويُشاع عنه الكذبُ والبهتان؟الجواب: لا إذن فلنُحسن الظن بإخواننا المؤمنين والمؤمنات, ولنقل إذا سمعنا أي شائعة فيهم: هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ. هذا الأدبُ الأول.
والأدبُ الثاني في قولِهِ تعالى: {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} هذا هو الأدبُ الثاني في التعامل مع الشائعة..إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا .. مجرد أن نسمعها لا نخوض فيها ولا نتكلّمُ فيها لأن هذا الكلام يتوالد ويتكاثر والكذبة تصبح كذبتين وهكذا, فقطعاً للألسنة نسكت عن الخوضِ فيها, بل نقول عنها مباشرة: سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ. لماذا كل هذا عباد الله؟ لأنَّ اللهَ تعالى يقول: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} الخوضُ في الشائعة أمرٌ خطير يحسبه الناس هيّن, لكنه عند الله عظيم, هذا في حق من يتكلّم بها, فكيفَ بِمَنْ ينشُرُهَا ويبثُّهَا؟ فِي الصَّحِيحَيْنِ: إِنَّ اللَّهَ تعالى كَرِهَ لَنَا قِيلَ وَقَالَ, أي: الإكثارُ مِنْ الحديثِ عَمَّا يَقولُ النَّاسُ مِنْ غَيرِ تَثبُّت ولا تَدبُّر ولا تبَيُّن.
والأدبُ الثالثُ في قولِهِ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}. هذا هو الأدبُ الثالث .. لِمَنْ سَمِعَ شَيْئًا مِنَ الْكَلَامِ السَّيِّئِ، فَقَامَ بِذِهْنِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَتَكَلَّمَ بِهِ، فَلَا يُكْثِرُ مِنْهُ وَيُشِيعُهُ وَيُذِيعُهُ ويُحدِّثُ بِهِ كُلَّ مَنْ هَبَّ ودَبَّ، لأن الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا أَيْ: يَخْتَارُونَ ظُهُورَ الْكَلَامِ الْقَبِيحِ عَنْهُمْ {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} فِي الدُّنْيَا: بِالْحَدِّ، وَفِي الْآخِرَةِ: بِالْعَذَابِ, عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ لَا تُؤذوا عِبادَ اللَّهِ وَلَا تُعيِّروهم ولا تطلبوا عَوَرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ طَلَبَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ طَلَبَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ ومَنْ طَلَبَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ فَضَحَهُ فِي بَيْتِهِ.
تلكم ثلاثةُ آدابٍ قرآنيةٍ في التعامل مع الشائعة, أن نحسن الظن بالمؤمنين أولاً, أن لا نخوض فيها ثانياً, أن لا ننشرها ونُذيعَهَا ثالثاً. اللهم طهر قلوبنا من النفاق.. الَخ
عباد الله هل تعلمونَ أننا في زمان أصبح الإنسان يَكذِبُ الكذبة ويُصدّقُها وينشُرُها وتطيرُ في الآفاق وتبلُغُ المشرقَ والمغربَ في لحظةٍ يسيرة وذلك عبر وسائل الاتصال الحديثة ومواقع التواصل, وهذا أمرٌ رأى النبيُّ r عقابَ فاعلِهِ في حديثِ الرؤية المشهور, رأى رَجُلاً جَالِساً وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ فيُدْخِلُ ذَلِكَ الكَلُّوبَ فِي شِدْقِهِ حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ. وحين سَألَ r عنه قيل له: أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ، فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالكَذْبَةِ، فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ.
إننا نخشى أن يكون أولئك الذين يشيعون الشائعات ويبثونها عبر مواقع التواصل, وخدمات التراسل, فتسرح من المشرق إلى المغرب في لحظة نخشى أن هذا عقابُهُم ونخشى أيضاً على من يعيدون توجيهها عبر جوالاتهم أنهم ممن يشاركون في نشرالشائعة, ويحبون إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا فيصيبهم الله بالعذابِ المتوعَّدِ عليه في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}.
فاتقوا الله عباد الله واحذروا, وراقبوا الله فيما تأتون وما تذرون.
ثم صلوا وسلموا ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق