الجمعة، 3 مايو 2013

خطبة بـ عنوان: " المغفرة والتوبة "

عباد الله, جملةٌ قليلةُ الكلمات, عظيمةُ الحسنات, كَانَ النبيُّ r يُحافِظُ عليها ويُكثِرُ منها إلى أن توفاهُ اللهُ تعالى, لاحظت ذلك أمُّ المؤمنين عَائِشَةُ t, فَقَالَت: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا هَذِهِ الْكَلِمَاتُ الَّتِي أَرَاكَ أَحْدَثْتَهَا تَقُولُهَا؟ قَالَ: جُعِلَتْ لِي عَلَامَةٌ فِي أُمَّتِي إِذَا رَأَيْتُهَا قُلْتُهَا ما هذه العلامة؟ قولُهُ تعالى{بسم الله الرحمن الرحيم. إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}. هذه الجملة هي: سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ, كَانَ رَسُولُ اللهِ r يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ, ونحن عباد الله, إن حافظنا عليها حققنا أموراً خامسة:
الأمرُ الأول: موافقةُ أمرِ الله تعالى الذي أمرنا باستغفارِهِ والتوبةِ له فقَالَ تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ}.
الأمر الثاني: موافقةُ هدي النبيّ r وقوله وفعله, حيث كان يُكثِرُ من الإستغفارِ والتوبةِ, قَالَ ابْنُ عُمَرَ y: كُنَّا نَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ r فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ يَقُولُ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ مِائَةَ مَرَّةٍ, يفعل ذلك r وهو الذي غُفِرَ لَهُ ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر, ونحنُ لا ندري ما يُفعل بنا أفلا نكونُ أولَى بهذا العمل وأحرصَ عليه؟
الأمر الثالث: تنزيهُ الله والثناءُ عليه, فبتسبيحِهِ سُبْحَانَكَ ننزهه عمّا لا يليقُ به, وبتحميدِهِ وَبِحَمْدِكَ نثني عليه بما هُوَ أهلٌ له. سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ.
الأمر الرابع: طَلبُ المغفرة من الله بقولِنا: أَسْتَغْفِرُكَ, يعني علَى ما مضَى, واستغفار الله تعالى له ثمراتٌ عظيمة ذكر تعالى بعضَهَا في كتابِهِ فقال: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} أي يحييكم حياةً طيبةً هنيئةً في الدنيا إلى الموت {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} هذه ثانية أَيْ يُثيب كُلَّ مَنْ تَفضَّل علَى غيرِهِ بفضلِ مالِهِ أو قوتِهِ أو معروفِهِ محتسبًا ذلك, يُثيبُهُ الثوابَ الجزيلَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ. وقال تعالى:{اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} يعني غيثاً مُنهَمِرَاً يَتبَعُ بعضُهُ بعضاً, كما قال تعالى على لسانِ نوح {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} فثمرةُ الإستغفار نزولُ الأمطار, خَرَجَ أميرُ المؤمنين عُمَرُ y يَسْتَسْقِي فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فقرأ: {اِسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} وما زادَ عليها ثُمَّ نَزَلَ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ دعوتَ بالسقيا فَقَالَ: لَقَدْ طَلَبْتُ الغيثَ بِمَجَادِيحِ السَّمَاءِ الَّتِي يُسْتَنْزَلُ بِهَا الْمَطَرُ يعني بالاستغفار. وثمرةٌ خامسةٌ للاستغفار في قولِهِ تعالى: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} من أكثر من الإستغفار زادَهُ اللهُ قوةً حسيّةً وقوةً معنويّة, قوةً في الظاهر وقوة في الباطن, قوةً في جسده وقوةً في روحه, قوةً في إيمانه وقوةً في يقينِهِ وقوةً في دينِهِ {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ}. وثمرةٌ سادسةٌ للاستغفار في قولِهِ تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} فالاستغفارُ أمانٌ من عذابِ الله, قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ y: كَانَ فيكم أَمَانَانِ أي من عذابِ الله نَبِيُّ اللَّهِ r وَالإسْتِغْفَارُ فَذَهَبَ النَّبِيُّ r وَبَقِيَ الإسْتِغْفَارُ فأكثروا من الإستغفار وثمرةٌ أخرى للإستغفار في قولِهِ تعالى{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا.. أي غيثاً متتابعاً وقد تقدم, وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ يعني غِنىً, وَبَنِينَ يعني ذرية, وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}. شَكَا رجلٌ إلى الحسن الجُدوبةَ فقال له: استغفر الله، وشَكَا إليه آخر الفقرَ فقال له: استغفر الله، وشكا إليه آخر العُقمَ فقال له: استغفر الله، وشكا إليه آخر جَفافَ بستانِهِ فقال له: استغفر الله، فقيل له في ذلك فقال: ما قلتُ من عندي شيئاً إنَّ الله يقول:{اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا..} أبعد هذه الثمرات نغفل عن الاستغفار؟
اللهم في هذه الساعة من الجمعة اغفر لنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم, ألَاَ فاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ.
عباد الله, الأمرُ الخامس المتحقِّقُ في الإكثارِ من قولِ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ: التوبةُ لله أي العودةُ له فيما سنستقبله في حياتنا. ولها ثمراتٌ كثيرة, منها, مَحبةُ الله للتائبين فمَنْ أكثر التوبةَ أحبَّهُ الله, قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ}. وكذلك نَالَ دعاءَ الملائكةِ واستغفارَهُم قال تعالى عن حملةِ الْعَرْشِ أنهم يقولون {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ}. وثمرةٌ أخرى أنَّ اللهَ يُبدِلُ سيئات التائبين إلى حسنات قال تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا. وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا}.
فأكثروا من هذه الجملة: سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق