فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله تعالى ثم اعلموا أنَّ اللهَ تعالى يقولُ لنبيّه r: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} تأملوا هذا المقطع القرآني {إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا} يقولُ اللهُ للمشركينَ الأسرى {إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا} فلو علم اللهُ في قلوبِهِم خيراً لأعطاهم على قدرِ نياتِهِم وزيادة, فَمَنْ آمَنَ مِنْ الأسرى وَعَدَهُ اللهُ بِالْخَلَفِ عَمَّا أُخِذَ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَقَالَ: {يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيغْفر لكم} الْعَبَّاسُ بنُ عبدالمطلب عَمُّ النبيّ r كانَ مِمَّن أُسِرَ في بدر فَفَادَى نَفْسَهُ بأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ قَالَ الْعَبَّاسُ فَآتَانِي اللَّهُ أَرْبَعِينَ عَبْدًا كُلُّهُمْ يَتَّجِرُ لي, عوَّضَهُ الله لِمَاذَا؟ لِأنَّ اللهَ عَلِمَ من قلبِهِ خَيراً, عَلِمَ منه أنه أسلَم وصَدّق برسولِ اللهِ r, قَالَ العباس: وَأَنَا أَرْجُو الْمَغْفِرَةَ الَّتِي وَعَدَنَا اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ. قَالَ الرسولُ r لعمّهِ العباس: وَفّيتَ فَوَفَّى اللهُ U لَكَ.
عباد الله, القلبُ محلُ نظرِ الرب وما يُضمره المرءُ في قلبه من خيرٍ أو شر ثقوا تماماً أنَّ اللهَ تعالى سيُظهِرُهُ, وسيظهَرُ أثرُهُ على واقعِهِ إما إيجاباً في صالِحِهِ, أو سلباً على عكسِ ما أرادَه, وخذوا على هذا مثالين من الكتاب والسنة:
فمن الكتاب في سورة القلم في قصةِ أصحاب الجنة الثلاثةِ النفر, انطلقوا إلى جنتِهِم ليلاً يتخافتونَ بكلامٍ خفي, يتناجون فيما بينهم {أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ} قَالَ مجاهد أَضْمَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِمْ مِسْكِينٌ يريدون أن يَصرِمُوا جنتَهم قبل أن يأتيَ المساكين فيعطوهم منها, أضمروا مَنْعَ الْمَسَاكِينِ مِنْ حَقِّ الْجُذَاذِ أضمروا النيةَ السيئة لكن اللهَ كشَفَهُم{وَاللهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ} فماذا كانت النتيجة؟ قال تعالى{فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُون فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} أَصَابَتْهَا آفَةٌ سَمَاوِيَّةٌ, وقيل: سلّط اللَّه عَلَى زرعِهِم ناراً فأحرقته فغَدَا سَوَادًا محروقاً هَشِيمًا يَبَسًا لا يرونَ منه شيئاً ولا يستفيدونَ مِنهُ بشئ, النية السيئة هذا أثرُها وتلك عاقبتُها فتنبهوا يا رعاكم الله, لا تضمروا في تعاملاتكم مع بعضكم إلا النية الصالحة حتى ترزقوا وتوفقوا {إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا}. وَمثالٌ آخر من السنة في الحديثِ الصحيح, يقولُ النبيُّ r: مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَهَا يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ. من اقترض من الناس مالاً وقَصَدَ رَدَّه نَوَى نِيّةً صالحةً أن لا يأكلَ هذا المال ولا يُنكِرَهُ مستقبلاً, ما هي النتيجة؟ أدَّى الله عنه, أي يسَّرَ اللهُ له ما يُؤدّي منه, وأرضَى غريمَه في الآخرة إن لَم يستطع الوفاء في الدنيا. هذا إذا كانت النيةُ صالحةً, لكن إن كانت النيةُ سيئةً, أَخَذَ الأموالُ ليتلِفَها, ويُنكِرَها, ويتلاعَبَ بها ولا يَردُّها, ولا يقصِدُ قضاءَها, النتيجة؟ أتلفه الله أي أذهب الله ماله في الدنيا وأتلفه بأي آفة في الدنيا طال عُمُرُهُ أو قَصُر, والجزاء من جنس العمل بل وعاقبه تعالى على نيته السيئة في الآخرة عقاباً غيرَ عقاب الدنيا. وفي الحديث: أَيُّمَا رَجُلٍ تَدَيَّنَ دَيْنًا، وَهُوَ مُجْمِعٌ أَنْ لَا يُوَفِّيَهُ إِيَّاهُ، لَقِيَ اللَّهَ سَارِقًا. فانظروا كيفَ أثرُ النية في الثوابِ والعقاب؟
فاتقوا الله عباد الله, وأصلحوا النية في علاقتكم بالله, وعلاقتكم بخلقه.
اللهم أصلح نياتنا وزك أعمالنا وأقوالنا, وطهر قلوبنا من النفاق, وأعمالنا من الرياء, وألسنتنا من الكذب, وأعيننا من الخيانة, إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
عباد الله, قَالَ اللهُ تعالى في شَأنِ أصحابِ نبيّه r في البيعةِ التي تَحتَ الشجرة: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} أي: من حُبّ اللهِ ورسولِهِ وصدقِ الإيمانِ بهما, فما النتيجة؟ {فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ .. هذا أولاً .. وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا .. هذا ثانياً .. وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا ..ثالثاً.. وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}.
فاجعلوا هذه القاعدةَ الربانية القرآنيةَ العظيمةَ نهجَكم في حياتكم, وفي علاقتِكم بربكم: {إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً} والله يا أخي إذا علم الله في قلبك أنك تكره المعصية سيصرفها اللهُ عنك, أهمُّ أمرٍ أن يَعلَمَ منكَ كُرهَكَ لَهَا وإذا عَلِمَ أنّكَ تُحب أيَّ طاعة سيُعينُكَ عليها. فانتبِه لنيتِك, وتَفقَّد سَرِيرَتَك, واصْدُق مَعَ الله, وأبشِر بالخيرِ والتوفيق.
هَذَا وصلّوا وسَلّمُوا رحمكم الله ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق